poniedziałek, 19 listopada 2018

فرنسا ولامازيغ

تعد علاقة فرنسا بالقضية الأمازيغية من القضايا الخلافية التي يطبعها غالباً -للأسف- الغلو الأيديولوجي، حيث يكيل فيها كل طرف وابلاً من القدح في حق الطرف الآخر. وسنركز في هذه المساهمة على تحليل بعض المعطيات وتفكيك الخطاب الأمازيغي السائد.
هناك تيار يقول بوجود سياسة فرنسية بربرية إبان الاستعمار تفرق بين البربر والعرب. ويتهم بعضهم دعاة الأمازيغية بالارتباط بفرنسا وبفرنكفونيتها بينما يقول دعاة البربرية -وبينهم الجزائري الفرنسي سالم شاكر أستاذ البربرية في المعهد الوطني للثقافات واللغات الشرقية في باريس- إنه لا توجد هناك سياسة بربرية، بل إن فرنسا عمدت إلى تعريب الأمازيغ.
 
التيار الأول محق في القول بوجود سياسة بربرية تفريقية لضرب الإسلام، لكنه مخطئ في تهمة الارتباط بفرنسا أو محاولة إحياء الظهير البربري. أما التيار الثاني فهو محق جزئياً فيما يتعلق بتعريب البربر (في الجزائر) ومخطئ في بقية تحليله، فالدولة الفرنسية شيدت على دحر الخصوصيات لكنها استغلتها خارج حدودها. ثم إذا كانت قد ساهمت لوقت في تعريب القبائل فإن المسألة نسبية للغاية، إذ كيف لاستعمار أعلن عام 1936 العربية لغة أجنبية في الجزائر أن يساهم بالدوام في نشرها؟!
لقد أصر الاستعمار على التفريق بين البربر والعرب وعلى التقريب بينهم وبين الأوروبيين عبر المتوسط، وعمد إلى إقصاء نحو 12 قرناً من التاريخ الإسلامي التي لم تتمكن من التأثير على البربر حسب خطابه. "من هذه الاعتبارات ستولد سياسة فرنسا البربرية لأن المسؤولين سيفاقمون هذه الاختلافات لهدف في منتهى السياسة".
رأت فرنسا أن من مصلحتها ربح البربر إلى جانبها بالاعتراف لهم بخصوصيتهم. وتداركاً لأخطائها في الجزائر، عزلت مناطقهم عن تلك الواقعة تحت سلطة المخزن، وسعت إلى فرض نظام قضائي خاص بالبربر يقصى فيه التشريع الإسلامي لصالح الأعراف، لكن بإخضاعه عملياً للقانون الفرنسي (الظهير البربري).
لم تكن سياسة فرنسا موالية للبربر على حساب العرب بإعطائهم مزايا سياسية أو اقتصادية، إذ لم تمنحهم مثلاً مقام المواطنة وأبقتهم ضمن فئة الأهالي كغيرهم. كما أن فرنسا لم تفلح في خلق قاعدة أمازيغية موالية لها تجندها ضد غيرها.
"المسألة الأمازيغية من نتاج الحقبة الاستعمارية من حيث ظهور الوعي السياسي الأمازيغي، لكن لها ديناميتها الخاصة. وقد استفادت من تلك الحقبة لتعبر عن نفسها، بيد أنها لم تتواطأ مع الاستعمار بل قاومته وكانت السباقة في النضال من أجل الاستقلال."
وتشهد الانتفاضات على أن البربر لم يتخلفوا عن النضال التحريري قط، وإنما استغل الاستعمار بعض الاختلافات بين المجموعتين، ومن هنا فسياسته ليست ممالأة للبربر أو دفاعا عن لغتهم وثقافتهم فهي لم تقم بترقيتهما، وبالتالي فقد أساء فهمَها مَن يقول بوجودها ومَن يعتبرها أسطورية. فهي كانت كرهاً للعرب والمسلمين وليست حباً للأمازيغ.
إن فرنسا لم تبتدع المسألة الأمازيغية من العدم وإنما خلقت لها الظروف السياسية لتوظيفها، ولولا وجود العامل الاجتماعي السياسي لهذه القضية لما نجحت في ذلك.
 
بيد أن هذه السياسة خلقت قطيعة على الأقل على مستوى الوعي عبر "الأسطورة الأمازيغية"، فلو نزعنا المكون الأسطوري الموروث عن الاستعمار لانهار معظم بنيان الخطاب التاريخي الأمازيغي الحالي، ولتعين عليه التركيز على السياسات المتبعة بعد الاستقلال. وهذا ما يقلل من الجانب المأساوي العاطفي لأن البربر ليسوا أفقر السكان، ثم إن المنحدرين منهم سيطروا ويسيطرون على مراكز صنع القرار السياسي. وبالتالي ربما تكون مراجعة الموروث الاستعماري من هذه الزاوية ضرورية لاستيعاب الأمور: أغلبية الشعب (بغض النظر عن الأصل أو اللغة) تعيش الفقر والتهميش وقابعة تحت التسلطية، ولا يتعلق الأمر"بأغلبية" عربية تضطهد "أقلية" بربرية، بل كلتاهما في الهمّ
مغرب.









































تذويب الأمازيغية

يقول دانيال سوفاي المتخصص في الدراسات القبائلية إنه اهتم بتفسير الصور النمطية والقوالب بشأن بلاد القبائل، وسرعان ما لاحظ أن "ما يسمى بالأسطورة القبائلية يزيد بكثير عن البعد الأيديولوجي الذي كان قد استقطب المحللين". كما لاحظ استرداد القبائل للمعرفة التي أنتجت حولها خلال الحقبة الاستعمارية "تذويتا" وهو ما تقوم به بشكل واسع الحركة الثقافية البربرية، "وأصبحت الأسطورة والصور النمطية عنصراً للخطاب الهوياتي للقبائل حول أنفسهم".
 
ويرى سوفاي أن علم اجتماع المعرفة يفيد في "نقد الأفكار العامة المُبتذلة للتغطية الإعلامية للأحداث" والتي تردد "القوالب النمطية الجوهرانية عن البربر وموضوعة الروح الاستقلالية للقبائل، هذا الشعب الخشن والجبلي وريث مملكة يوغرطة وماسينيسا". أما خصوصية المنطقة فتشكلت أيضاً من خلال ظروف اجتماعية تاريخية إبان الاستعمار. ويرى أن هناك "سياسة قبائلية" لا تقول اسمها، وأحكاما استثنائية في مجال الضرائب، وسياسة دراسية وإدارة وقضاء.

رغم أسطورية التصورات الاستعمارية وتنوع المجموعة الأمازيغية من حيث درجة الممارسات الدينية (مثلها مثل المجموعة العربية) فإن دعاة الأمازيغية يقولون إن البربري علماني بطبعه، إذ يؤكد رئيس المؤتمر العالمي الأمازيغي بلقاسم لوناس (في جريدة لوفيغارو الفرنسية بتاريخ 27/06/2003) أن البربر تعرضوا لنفوذ ديانات عديدة لكنهم "لم يتبنوها بطريقة أرثوذكسية، بل كيفوها مع أعرافهم ونمط عيشهم"، وبالتالي "فالبربري جوهرياً علماني". وبالطبع وجدوا "في أسس المجتمع الفرنسي القيم الأساسية التي عليها يقوم مجتمعهم: الديمقراطية، العلمانية والإنصاف".

ويندد لوناس بتصنيف بربر فرنسا ضمن الجالية الإسلامية والعربية، وينتقد فرنسا لتخليها عن العلمانية بزعمها تنظيم الإسلام بينما شجعته بإنشاء "المجلس الوطني للديانة الإسلامية"، في حين أن الأغلبية الساحقة لمليوني أمازيغي لا تحدد نفسها على أساس ديانة ما قد لا تكون حتماً الإسلام وإنما على أساس "هويتها الخاصة".
 
هكذا تبنى الخطاب الأمازيغي الرواية الاستعمارية للتاريخ، وذهب إلى حد شرعنة انسلاخ البربر عن الإسلام بدعوى العلمانية، بينما واقع الحال في هذا البلد يشير إلى أن الإسلاميشكل مكوناً هوياتياً بالنسبة لعدد كبير منهم، بصرف النظر عن علمانية بعضهم ومواظبتهم على ممارسة العبادات.
 
انتقائية التاريخ
حدة التأثر بالموروث الاستعماري انجرت عنها قراءة انتقائية للتاريخ، إذ "ذَوَّتَ" قسم من دعاة الأمازيغية الخطابَ الاستعماري وتصورات ونظرة الآخر للذات الأمازيغية. وبما أن هذه الأسطورة أسست على إسقاط الإسلام سارت عملية "التذويت" على خطاها، إذ يقصي هؤلاء ماضيهم وحاضرهم الإسلامي بدعوى الاضطهاد الهوياتي العربي.


فمن جهة يعتزون بأمجادهم في عهد ما قبل الإسلام باسترجاع تاريخ نوميديا وبطولات يوغرطة، متناسين رفضه للإمبراطورية الرومانية –التي تشكل أحد مقومات هوية صانعي الأسطورة الأمازيغية- ولمتوسطيتها التي يؤكد عليها هؤلاء اليوم، ثم فيما بعد بطولات كسيلة والكاهنة.
 
أما من جهة أخرى فيستبعدون قروناً إسلامية صاغت هويتهم وتاريخهم، ويعتز خطابهم بكسيلة والكاهنة وحتى القديس أوغسطين ربما لإثبات علاقة تاريخية بأوروبا المسيحية عبر المتوسط. وهنا المفارقة، يرفضون الإسلام باسم علمانية عتيدة لكنهم يمجدون القديس أوغسطين وهو من أكبر أقطاب المسيحية في عصره وأحد رموز كنيستها، وهو الذي شرعن تقتيل بربر مسيحيين كما نظَّر للحرب "الدينية" العادلة.
 
استبعد هذا الخطاب وبمرجعية انتقائية أمجاد البربر وعزتهم الإسلامية -حيث أسسوا دولا كالمرابطين والموحدين- من سجله، لتكون أمازيغية كسيلة لا أمازيغية طارق بن زياد. إن التأكيد على الأول دون سواه يعني التنكر للتاريخ والتأثير الإسلاميين، فيما يعني التأكيد على الثاني -إلى جانب الأول- مطالبة الأمازيغ واعتزازهم بدورهم في التاريخ العربي الإسلامي. إن التاريخ الأمازيغي كل لا يتجزأ.

والمثير أن يتحدث البعض عن أصالة الأمازيغية عند نقد الرافد العربي الإسلامي بينما ينسونها لدى محاولة ربطها بماض مسيحي متوسطي وبالتالي غربي (يذكرنا هذا الربط بمنظري دعاة الفرعونية والمتوسطية في مصر مثل سلامة موسى وطه حسين).
 
حجب الرؤيةيلاحظ الكاتب الجزائري صالح قمريش (في مقالة بجريدة ليبراسيون الفرنسية بتاريخ 29/03/2004) مفارقة لدى النشطاء البربر، فهم يحمِّلون العرب "اضطهاد ألف سنة" الذي تعرضوا له و"التنكر للهوية البربرية"، وإن كانت "هذه التهمة المزدوجة غير خاطئة كلية فإنها تاريخياً ظالمة"، وهذا لسببين:
  • أولهما أنه من بين القرون التسعة الممتدة من "الغزو العربي" إلى "الغزو العثماني"، فإن "المماليك البربرية هي التي سيطرت أو حكمت الجزائر خلال ستة قرون على الأقل".
  • ثانيهما أن "التنكر للهوية البربرية" لم يكن يتسنى لولا "مباركة" "وحتى تواطؤ العديد من الوزراء والجنرالات الذين هم أنفسهم من أصل بربري" وهذا منذ الاستقلال.
حجب مسؤولية البربر هذه انجرت عنه عملية حجب أخرى وهي محاولة جعل الإعلام الغربي يستمر في الاعتقاد بأن الإسلام السياسي الجزائري خاصية "عربية" وبأن "العنصر البربري ليس إلا الضحية المسكينة" بينما تاريخ العقدين الأخيرين -يضيف قمريش- يطلعنا بأن "الأصولية" تأصلت باكراً في المناطق البربرية لاسيما في القبائل، وأن زعماءها الرئيسيين هم من البربر. كما يلاحظ أن الجالية البربرية لم تعد تعتز بجزائريتها "فالخجل" من الإسلام السياسي جعلها تذهب إلى حد احتقار جزائريتها والتأكيد على أصولها القبائلية وحتى على انتسابها إلى اليهودية المسيحية.


Brak komentarzy:

Prześlij komentarz