دفعني إلى كتابة هذا المقال ما قرأته في مقال السيد « عبد العزيز كحيل » الذي يقول أنه كاتب «عربي » من الجزائر ، والذي يصر في مقاله على أن الجزائر عربية .
أبدأ مقالي هذا بقصة غريبة حكاها لي أحد الأصدقاء . قال: كنا في ناد نحتسي قهوة وشايا، وكنا نتجاذب أطراف الحديث ، وإذا بأحد الحاضرين بدأ يتكلم عن حادثة تاريخية ، واسترسل في شرحها ، ثم ختم كلامه وقال : حدثت هذه الحادثة قبل ظهور الإسلام في شبه جزيرة العرب ، وعندها سأله أحد الحاضرين قائلا : « هل كانت الدنيا موجودة قبل الإسلام ؟ ! » . ظننت أن الشخص يمزح ، ولكنه كان يبدو جادا كل الجد . الدعاية الإسلاموية جعلت الناس البسطاء والجهلة يعتقدون أن بداية الحياة والحضارة جاءت مع الإسلام ، والبعض الآخر متيقن بأن ما قبل الإسلام كله جهل وظلامية « الجاهلية » . هل يمكن اعتبار الحضارات الفرعونية والبابلية والفينيقية والقرطاجية والإغريقية والرومانية جاهلية ؟
أكبر طمس لشخصية المغرب الكبير ، ومنه الجزائر ، حدث على يد العرب الذين غزوا ( عفوا فتحوا ) شمال أفريقيا ، وقد ساعدهم في ذلك الدين الإسلامي الذي نشروه بحد السيف . يا «سي كحيل » ، لما وطئت أقدام الغازين العرب هذه الديار تصدى لهم سكان هذه البلاد كعادتهم في التصدي للغزاة والمعتدين .
وكان من أبطالهم تلك المرأة الفذة التي قلما نجد لها مثيلا في التاريخ ، وهي التي أطلق عليها العرب المحتلون لقب الكاهنة ، واسمها الحقيقي هو « ديهيا تادموت » الذي يعني الغزالة الجميلة ، وكانت ملكة على قومها من قبيلة زناتة في منطقة الأوراس الأشم ، وقد استشهدت في القتال ضد العرب المعتدين ، ولكن المدرسة الجزائرية كانت تصفها لنا في الكتب المدرسية بأسوأ الأوصاف ، وأما الآن فقد أعيد إليها نوع من الاعتبار في ذاكرة الشعب الجزائري .
بطل آخر حارب المعتدين العرب هو الأسد « كسيلة » الذي أسره عقبة بن نافع قائد الحملة العربية على شمال أفريقيا ، والذي أهانه أمام قومه بأن طلب منه أن يذبح شاة بنفسه ، وهو عمل لا يقوم به إلا من هم أقل شأنا حسب عادات وتقاليد الأمازيغ . وعندما سنحت الفرصة للقائد العظيم «كسيلة » فر ، وجمع شتات جيشه ، وانقض على جيش العرب بالقرب من بسكرة ، فأفناهم عن آخرهم وقتل قائدهم عقبة بن نافع ، ومازال الناس إلى الآن يزورون قبر ابن نافع ليتبركوا بمن غزاهم وقتل الكثيرين من أجدادهم ، بمنطقة بالقرب من بسكرة تسمى « سيدي عقبة » . إذا تعرض قوم في أي بلد من بلدان العالم للاعتداء من قبل عدو خارجي ، فتصرفهم الطبيعي هو مقاومة هذا العدو ، حتى لو كان المهاجمون أنبياء وقديسين . كيف يعرف المعتدى عليهم أن المعتدين يحملون إليهم خيرا ؟ كل الغازين يظهرون نوايا طيبة ويضمرون مقاصد خبيثة . وأعود إلى قول السيد كحيل أنه « عربي » ويعيب على الأمازيغ تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغية .
إعلم ياسيد كحيل أن سكان المغرب الكبير ، ومنهم سكان الجزائر ، أمازيغ ،وهم ينقسمون إلى صنفين :الصنف الأول، هم أمازيغ معربون ، وهم سكان السهول الذين كان من السهل وصول الجيوش إليهم واحتلال أراضيهم .الصنف الثاني ، هم سكان الجبال والصحراء ، وهم أمازيغ بقوا على أمازيغيتهم ، ومازالوا إلى الآن يتكلمون لغتهم الأصلية ، مثل سكان جبال جرجرة والأوراس وجبال شنوة وجبال مطماطة وبني حوا وبني ميزاب والطوارق وغيرهم .
الجزائريون الأميون وأشباه الأميين وأشباه المتعلمين والمشعوذين والمخدرين ( بفتح الدال ) ، وهم يشكلون الأغلبية ، لا يفرقون بين العروبة والإسلام . حتى أن عبارة « أنت ماكش عربي» تعني «أنت لست مسلما » ، ويكثر اسم « العربي » بين السكان الذي يعني « مسلم » ، أو هو مرادف لـ « محمد = النبي العربي) . ولا يتصور كثير من الجزائريين أنه يوجد عرب يهود أو مسيحيون أو غير ذلك . والدليل أنه عندما كان يفد إلى الجزائر فيما مضى متعاونون عرب من المشرق «العربي» ، وكان من بينهم مسيحيون لم يكونوا ليصدقوا ذلك .
عندما جاءت الحملات العربية على شمال أفريقيا في عهد الأمويين ، كان أكبر جيش عددا لا يتعدى العشرين ألف مقاتل ، كما أن أكثرهم قد عادوا إلى أهاليهم بعد دخول أهل شمال أفريقيا في الإسلام ، وأصبحت جيوش المنطقة متكونة في أغلبها من مقاتلين أمازيغ . وكتب التاريخ تعلمنا أن جيش القائد الأمازيغي طارق بن زياد، الذي غزا الأندلس واحتلها ، كان متكونا في أغلبه من الأمازيغ ، ثم لحق به فيما بعد موسى بن نصير . في القرن الحادي عشر الميلادي ، شجع الخليفة الفاطمي قبائل بني هلال وبني سليم على غزو منطقة المغرب الكبير لمعاقبة الزيريين الذي تخلوا عن المذهب الشيعي وأعلنوا الولاء للخليفة العباسي . تقول كتب التاريخ أن عددهم كان يتراوح بين 000 200 و 000 250 نسمة ، ويبدو لي أن هذا العدد مبالغ فيه .
وقد توزعوا على ليبياو تونس والجزائر والمغرب ، أي أن كل بلد استقبل في المتوسط 25 ألفا . هل هذا سيؤثر على سكان المنطقة الذين كانوا عدة ملايين ؟ ويجب أن نشير إلى أن هؤلاء الوافدين الجدد لما استقروا في المنطقة انصهروا ضمن السكان الأصليين عن طريق التزاوج . وأنا لا أنكر أنه يوجد أقليات في الجزائر من أصول عربية وتركية وفرنسية ومالطية وإسبانية وإفريقية ... وهذا في موجود في كل المجتمعات في العالم. دول مسلمة مثل تركيا وإيران لم تقل يوما أنها دول عربية لمجرد أنها اعتنقت الإسلام ، بل أن الأتراك فخورون بماضيهم العثماني ، والإيرانيون معتزون بتاريخهم الفارسي ، إلا نحن الجزائريين ، بعضنا يريد إلحاقنا بالعرب عنوة ، ضاربا عرض الحائط بالحقائق التاريخية . عندما نقول أننا لسنا عربا لا نقصد من ذلك إهانة العرب أو كرههم ، ولكن لكل شعب أصله وفصله وتاريخه وخصوصيته .
هل العرب سيرضون لو أن أحدا قال لهم أنكم فرس أو أتراك أو أمازيغ ؟ هل كانوا سيقبلون بتسمية أبنائهم بأسماء فارسية أو تركية أو أمازيغية ؟ حتى الخليج الذي يفصل بينهم وبين الفرس ( الإيرانيون) فهم في صراع حول تسميته ، هل يسمى الخليج الفارسي أم العربي ؟ وقد اقترح البعض بتسميته الخليج العربي ـ الفارسي Golfe arabo-persique . الدعاية العربية والإسلامية التي تدعي أن لغة أهل الجنة هي العربية ، جعلت الناس يضفون على هذه اللغة هالة من القداسة فاقت كل خيال. اللغات من اختراع البشر ، ولا فضل للغة على لغة أخرى إلا بما تستطيعه من احتواء المعاني ، والتعبير عن أحاسيس ومشاعر البشر ، وعن حاجاتهم المتزايدة باضطراد . ويعود تفوق لغة على لغة أو لغات أخرى إلى مدى قدرة القوم الناطقين بها على السبق في مجال العلم والتكنولوجيا والاختراعات . أي قوم يحتلون قوما آخرين ، يعملون ما في وسعهم لقتل ومحو لغة وعادات وتقاليد القوم المغلوبين ، وإحلال لغة وعادات وتقاليد القوم الغالبين .
فعل ذلك العرب والفرنسيون مع أهل شمال أفريقيا ، عندما قاموا بطمس هويتهم . لقد نجح العرب أكثر من الفرنسيين لأنهم كانوا السابقين ، ولأنهم استعملوا الدين في ذلك . كاتب المقال ، السيد كحيل ، يمجد ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين التي كان يرأسها ، هذا من حقه ، لأنه يبدو عليه أنه إسلاموي Islamiste ، أي من دعاة إحياء الخلافة الإسلامية . لماذا لم تفجر جمعية العلماء الثورة التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي في الجزائر ؟ لماذا لم تلتحق بالثوار إلا بعد عامين من اندلاعها ؟ الإسلاميون دائما يركبون قطار الثورة وهو ماش .
وتاريخهم حافل بالعمالة والتآمر على الثورات العربية قديما وحديثا . ولنا في ثورة الضباط الأحرار في مصر بقيادة جمال عبد الناصر والإخوان المسلمين أحسن مثال. لقد حاولوا استرجاع ثمار الثورة لصالحهم ، وحاولوا اغتيال عبد الناصر. وحاليا ، أسوق مثالين هما : محاولة إخوان تونس بقيادة الغنوشي ، وإخوان مصر بقيادة أحمد بديع تحويل الثورتين عن مسارهما الطبيعي وقطف ثمرتيهما. وأنت تعتبر إيقاف «التجربة الديمقراطية » ( أنا أسميها المهزلة الديمقراطية ) الذي قام به الجيش الجزائري في بداية التسعينيات من القرن الماضي ، تعتبر ذلك انقلابا . أنا أسمي ذلك إنقاذا في آخر لحظة . مشروع الإسلامويين Les islamistes هو إقامة دولة ثيوقراطية État théocratique يحكمها رجال الدين كما هو حاصل في إيران وكما يسعى إليه الداعشيون وبوكو حرام والقاعدة ... وهذه الدولة يستمد فيه الحاكم أحقيته بالحكم من الإله، وليس من الشعب .
وهم لا يؤمنون بالديمقراطية ، لأنها من اختراع الغرب «الكافر» وكل فكر آت من الغرب فهو حرام ، إلا طائرات البوينغ والأيرباس التي تنقلهم إلى الحج ، وسيارات المرسيدس المكيفة التي تخصص لرجال الدين . الديمقراطية التي يؤمنون بها هي تلك التي توصلهم إلى الحكم ، وبعد ذلك ليسوا في حاجة إليها ، لأنهم عندما يتمكنون من الكرسي لن يتخلوا عنه إلى يوم الدين . لقد كانت المظاهرات التي يقوم بها مناصرو حزب « الجبهة الإسلامية للإنقاذ » المحل يحملون لافتات مكتوب عليها بالخط العريض « الديمقراطية كفر » . أنت تتكلم عن حملة التغريب التي تتعرض لها المجتمعات العربية ، وذكرت انتشار الحانات والفسق والدعوة إلى جعل يوم العطلة هو يوم الأحد . الخمر كان منتشرا في عهد الخلافة الأموية والعباسية والفاطمية إلى يومنا هذا ، هذه الخلافة التي تدعو إليها أنت وأمثالك . الفسق قديم قدم التاريخ . اقرأ تاريخ الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، وستصاب بالدهشة .
أسماء الأيام من اختراع البشر ، ولا يوجد يوم أكثر قداسة من يوم آخر . إنه تقسيم للزمن حتى يستطيع الإنسان تنظيم حياته . أذكر لي دولة مسلمة ليس فيها فسق . أكبر حالات الشذوذ الجنسي موجودة في دول تطبق مبادئ الشريعة ، كالسعودية وقطر والإمارات وقطر وإيران . لو تذهب إلى أوربا فستندهش من أفاعيل «أجدادك » بني يعرب بن قحطان . كل ما لا يستطيعون فعله في بلادهم علانية يتفننون فيه في بلاد « الكفار » .
وفي الأخير فأنا أحترم كل المعتقدات في العالم ، أحترم المسلمين والمسيحيين واليهود والبوذيين والهندوس والإلهيين Les déistes وغير المؤمنين بأي دين ، ولكن بشرط ألا يتدخلوا في شؤوني الخاصة ، ويحاولوا فرض معتقداتهم علي ، لأن الإيمان بعقيدة معينة هو مسألة شخصية لا يحق للآخرين التدخل فيها ، وهي بين الفرد وخالقه ، بشرط أن تبقى في الدائرة الخاصة بالإنسان ، ولا تتجاوز ذلك إلى المجال العام لكي يعيش الناس في أمان في دولة معينة .
Brak komentarzy:
Prześlij komentarz