مؤرخ بقنا يرصد تاريخ مكة المكرمة مع السيول والرياح الشديدة
20-8-2018 | 09:13
يؤكد المؤرخون أن من أهم السنوات التي شهدت كوارث طبيعية كرياح وسيول شديدة في الحرم المكي الشريف هي سنة 1860م، حيث غرق 300 شخص من المصريين، وأهل الشام نتيجة السيول الجارفة، فيما شهد عام 1502م وقوع عمودين من صحن المطاف نتيجة الرياح الشديدة والعواصف، كما شهد عام 1503 سقوط رأس مئذنة قايتباي آخر السلاطين المماليك التي كانت توجد في باب الوداع نتيجة العواصف والرياح الشديدة.
في عام" 1629م حدث مطر شديد داخل المسجد الحرام وأغرق كثيرا من الناس فيما هدم 3 جوانب من الكعبة، حيث أودت الحادثة بحياة الكثيرين، في شهر شعبان قبل موسم الحج مما دفع الخليفة العثماني لأن يستعين كعادته بالمهندسين والعمال المصريين لإعادة الكعبة المشرفة لحالتها.
وتدوال رواد التواصل الاجتماعي الفيسبوك مساء أمس الأحد صورا وفيديوهات للرياح الشديدة التي ضربت بعض نواحي من مكة المكرمة، وإخلاء خيام في جبل عرفات بعد تحذير هيئة الطقس السعودية من عواصف وأمطار شديدة، حيث قال المؤرخ ضياء العنقاوي صاحب موسوعة الحرم الشريف في تصريحات لــ"بوابة الأهرام " إن حوادث مكة المكرمة وجبل عرفات مع الرياح الشديدة والسيول أكثر مما تعد وتحصى.
وتدوال رواد التواصل الاجتماعي الفيسبوك مساء أمس الأحد صورا وفيديوهات للرياح الشديدة التي ضربت بعض نواحي من مكة المكرمة، وإخلاء خيام في جبل عرفات بعد تحذير هيئة الطقس السعودية من عواصف وأمطار شديدة، حيث قال المؤرخ ضياء العنقاوي صاحب موسوعة الحرم الشريف في تصريحات لــ"بوابة الأهرام " إن حوادث مكة المكرمة وجبل عرفات مع الرياح الشديدة والسيول أكثر مما تعد وتحصى.
ولفت أن عددا من المؤرخين القدامى ذكروا في مخطوطاتهم الكوارث الطبيعية التي كانت تحدث في الحرم المكي نتيجة وقوع مكة عند وادي إبراهيم الذي جعلها عرضة للأمطار والرياح الشديدة، ومنها المؤرخ عمر ابن فهد من ذرية محمد ابن الحنفية ابن الأمام علي كرم الله وجهه، وهو كان عالما شرعيا ولد في قرية أصفون التي كانت تتبع محافظة قنا قديما وعاش في مكة وألف كتابا شهيرا اسمه "اتحاف الورى في أخبار أم القرى".
وأوضح العنقاوي أنه لمدة مائة عام تفردت عائلة آل فهد التي تنتمي لذرية محمد ابن الحنفية بن علي ابن أبي طالب - والتي استقرت بمحافظة قنا بصعيد مصر- في كتابة لعدة سيول ضربت مكة المكرمة وأدت لموت الحجاج المصريين، منها سيل عام 1680م في 18 ذي الحجة، حيث حدثت بمكة أمطار غزيرة مستمرة وكثر السيل ودخل الحرم حتى بلغت المياه نصف الكعبة، وكان في ذلك خروج الحجاج المصريين فغرق فيه كثير من المسافرين مما دفع فقيها أزهريا مجهولا لرثاء الحجاج، قائلا:"وكم من عديم رديم وكم - به من غريق عريق النسب.. وكم من قصور في جر وكم - تجر صخورا كجر الخشب".
ويضيف: بهذا الرثاء أنشد المصري المجهول وهو يرثي أبناء جلدته في سيل أدى لإغراق الكعبة التي كانت ومازالت تعشقها السيول العارمة، مضيفا أن المكتشفات الأثرية الحالية في الحرم المكي وما حولها وكذلك المكتشفات الأثرية في المدينة المنورة تظهر مجهودات أمير الحج المصري رضوان بك الفقاري الذي جعل العمال المصريين يقومون بعملية رصف الوعرات التي تقع بين منطقتي النبط وينبع، التي كانت بحسب حديث المؤرخين مجهدة للحجاج وموجعة للجمال، الوسيلة التي كان يتخذها الحجاج للذهاب لمكة المكرمة.
ويضيف: بهذا الرثاء أنشد المصري المجهول وهو يرثي أبناء جلدته في سيل أدى لإغراق الكعبة التي كانت ومازالت تعشقها السيول العارمة، مضيفا أن المكتشفات الأثرية الحالية في الحرم المكي وما حولها وكذلك المكتشفات الأثرية في المدينة المنورة تظهر مجهودات أمير الحج المصري رضوان بك الفقاري الذي جعل العمال المصريين يقومون بعملية رصف الوعرات التي تقع بين منطقتي النبط وينبع، التي كانت بحسب حديث المؤرخين مجهدة للحجاج وموجعة للجمال، الوسيلة التي كان يتخذها الحجاج للذهاب لمكة المكرمة.
بحث عن مكة المكرمة
بواسطة: ٠٨:٢٣ ، ٣٠ مايو ٢٠١٨
- آخر تحديث:
أهمية مكة المكرمة تعتبر مكة المكرمة (بالإنجليزية: Mecca the Blessed) مدينة الإسلام المقدسة على الرغم من احتلالها مكانة دينية مهمة قبل ظهور الإسلام، حيث يعتبرها جميع المسلمين مكاناً مهماً ومقدساً بشكل كبير، فهي مسقط رأس النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنها تحتوي على الكعبة داخل المسجد الحرام، وهي عبارة عن بناء مقدس عمل على بناءه النبي إبراهيم عليه السلام، وتعتبر زيارة مكة المكرمة واجباً على كل مسلم خلال إحدى فترات حياته من أجل آداء فريضة الحج، حيث أن الحج يعتبر أحد الأركان الخمسة للإسلام، وتتميز مكة بوجود بئر زمزم بها، وهو عبارة عن بئر مقدس فجره الله من أجل إيصال الماء لهاجر زوجة النبي إبراهيم.[١]
إموقع مكة المكرمة تقع مدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، وترتفع ما يقارب الثلاثمئة وثلاثة وثلاثون متراً فوق سطح البحر على خط عرض 21.43، وخط طول 39.83، وتتميز مدينة مكة المكرمة بأنها ثاني أكبر مدينة في المملكة العربية السعودية من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 1,323,624 نسمة.[٢] سكان مكة المكرمة تتميز مدينة مكة المكرمة بأنها ذات كثافة سكانية عالية، ويتركز غالبية السكان في المدينة القديمة، بينما يقل تمركزهم في الأماكن السكنية الحديثة، ويرتفع عدد الأشخاص القادمين إليها خلال موسم الحج، حيث يتراوح عدد زوارها القادمين من المملكة العربية السعودية، وجميع الدول الإسلامية الأخرى ما بين المليون إلى المليونين شخص، وعلى الرغم من أنه لا يسمح لأي شخص من غير المسلمين الدخول إلى المدينة أبداً، إلا أن المدينة تعتبر واحدة من أكثر المدن عالميةً في العالم، ويرجع السبب في ذلك إلى احتواءها على أشخاص من جنسيات مختلفة حول العالم، ويميل أصحاب الأصل القومي الواحد إلى العيش معاً ضمن أحد أجزاء المدينة.[٣]
إموقع مكة المكرمة تقع مدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، وترتفع ما يقارب الثلاثمئة وثلاثة وثلاثون متراً فوق سطح البحر على خط عرض 21.43، وخط طول 39.83، وتتميز مدينة مكة المكرمة بأنها ثاني أكبر مدينة في المملكة العربية السعودية من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 1,323,624 نسمة.[٢] سكان مكة المكرمة تتميز مدينة مكة المكرمة بأنها ذات كثافة سكانية عالية، ويتركز غالبية السكان في المدينة القديمة، بينما يقل تمركزهم في الأماكن السكنية الحديثة، ويرتفع عدد الأشخاص القادمين إليها خلال موسم الحج، حيث يتراوح عدد زوارها القادمين من المملكة العربية السعودية، وجميع الدول الإسلامية الأخرى ما بين المليون إلى المليونين شخص، وعلى الرغم من أنه لا يسمح لأي شخص من غير المسلمين الدخول إلى المدينة أبداً، إلا أن المدينة تعتبر واحدة من أكثر المدن عالميةً في العالم، ويرجع السبب في ذلك إلى احتواءها على أشخاص من جنسيات مختلفة حول العالم، ويميل أصحاب الأصل القومي الواحد إلى العيش معاً ضمن أحد أجزاء المدينة.[٣]
أُمّ القرى
«بَلَغَنِي أَنَّ الْبَيْتَ وُضِعَ لآدَمَ عَلَيْهِ السّلامُ يَطُوفُ بِهِ، وَيَعْبُدُ اللَّهَ عِنْدَهُ، وَأَنَّ نُوحًا قَدْ حَجَّهُ، وَجَاءَهُ، وَعَظَّمَهُ قَبْلَ الْغَرَقِ، فَلَمَّا أَصَابَ الأَرْضَ الْغَرَقُ حِينَ أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ، أَصَابَ الْبَيْتَ مَا أَصَابَ الأَرْضَ مِنَ الْغَرَقِ، فَكَانَتْ رَبْوَةٌ حَمْرَاءُ، مَعْرُوفَةٌ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُودًا إِلَى عَادٍ، فَتَشَاغَلَ بِأَمْرِ قَوْمِهِ، حَتَّى هَلَكَ وَلَمْ يَحُجَّهُ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى صَالِحًا عَلَيْهِ السّلامُ إِلَى ثَمُودَ، فَتَشَاغَلَ حَتَّى هَلَكَ، وَلَمْ يَحُجَّهُ، ثُمَّ بَوَّأَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لإِبْرَاهِيمَ، فَحَجَّهُ، وَعَلَّمَ مَنَاسِكَهُ، وَدَعَا إِلَى زِيَارَتِهِ، ثُمَّ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ إِلا حَجَّهُ.» – روايةٌ منسوبةٌ للتابعي عروة بن الزّبير.[1]
«لمَّا أهبطَ اللهُ آدمَ منَ الجنَّةِ قالَ: إنِّي مُهبطٌ معكَ بَيتًا أو مَنزلًا يُطافُ حَولَه كما يُطافُ حَولَ عَرشي ويصلَّى عندَه كما يصلَّى حَولَ عَرشي، فلمَّا كانَ زمنُ الطّوفانِ رُفِعَ، وكانَ الأنبياءُ يحجُّونَه ولا يعلَمونَ مكانَه، فبَوَّأه اللهُ لإبراهيمَ فبناهُ مِن خمسةِ أجبُلٍ: حِراءَ وثُبَيرٍ ولُبنانَ وجبلِ الطّورِ وجبلِ الخَيرِ، فتَمتَّعوا منهُ ما استَطعتُم.» – روايةٌ منسوبةٌ لعبد الله بن عمر.[2]«وُضِعَ الْبَيْت عَلَى أَرْكَان الْمَاء عَلَى أَرْبَعَة أَرْكَان قَبْل أَنْ تُخْلَق الدّنْيَا بِأَلْفَيْ عَام، ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْت الْبَيْت.» – روايةٌ منسوبةٌ لعبد الله بن عباس.[3]
«حَجَّ آدَمُ عَلَيْهِ السّلامُ فَلَقِيَتْهُ الْمَلائِكَةُ، فَقَالُوا: يَا آدَمُ! بِرَّ حَجَّكَ، قَدْ حَجَجْنَا قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَام.» – روايةٌ منسوبةٌ للنبي محمد. [4]اليوم، ربما أكثر من مليار مسلم حول العالم، يتوجّهون بالصّلاة جميعًا بشكلٍ يوميٍّ نحو ذلك البناء شبه المكعّب في مدينة مكّة – قبلتهم المقدسة – تلك المدينة التي تحتوي حرمهم وتمثّل لهم مركز ديانتهم، يسافرون إليها بالملايين كل عام حاجّين ومعتمرين إلى بيت الله، مطيفين حوله مقيمين طقوسهم وشعائرهم المرتبطة بعلامات المكان وما حوله: الحرم والمقام والحجر وعرفات والمزدلفة والصّفا والمروة وزمزم.ويؤمن المسلم تراثيًا أنّ مكّة والحرم هي بقعة الله الأكثر قداسةً في أرضه، خلقها قبل سائر البلاد، وأنّ بها أول بيت عبادةٍ وُضع للناس، وضع أساسه آدم بنفسه بمساعدة الملائكة، آخذين حجرها المقدس من الجنة مباشرةً، ثم تلاهم النّبي إبراهيم مسافرًا إلى الوادي غير ذي الزّرع، فأعاد بناء الكعبة هو وابنه اسماعيل، وطهّراها من الأصنام والأوثان، وأعادا إحياء شعيرة الحج مرةً أخرى.يؤمن المسلم كذلك أنّ مكّة استمرت على أهميتها تلك حتى زمن ما قبل الإسلام، والمسمّى بالجاهلية، وأنها كانت في ذلك الوقت مركزًا دينيًا وتجاريًا شهيرًا، وأنّ كعبتها كانت مزارًا مقدّسًا يأتي إليه العرب من جميع أنحاء الجزيرة، وهو مزارٌ محميٌّ (رغم وجود الأصنام به) بحمى الله نفسه، الذي يحفظه ويدافع عنه ضدّ كل من تسوِّل له نفسه العدوان عليه.يؤمن المسلمون أيضًا أنّه في تلك البيئة الوثنية، ووسط قبيلة قريش صاحبة الجاه والنّفوذ، عاش النّبي محمّد الذي تلقى آخر رسالات الله إلى البشرية في ذلك الغار، غار حراء، وتلا ذلك مراحل الدّعوة الدّينية في السّيرة المعروفة، من اضطهادٍ في مكّة، ثم الهجرة إلى يثرب (المدينة المنوّرة)، ثم سلسلة الغزوات والسّرايا النّبوية المنطلقة من هناك، والتي تنتهي بالعودة المنتصرة إلى مكّة مرةً أخرى، مقترنةً بتحطيم الأصنام وإعادة الكعبة لحالتّها الأصلية التّوحيدية، ثم منذ تلك اللحظة المصيرية صارت مكّة العاصمة الدّينية لجميع المسلمين إلى اليوم.هذا ما يعتقد به المسلمون، ويتلقّونه بالحفظ والإيمان منذ الطّفولة، باعتباره مجموعةً من الحقائق الكونية المسلّم بها، وغير القابلة للجدل أو التّشكيك.إلى أيّ مدى يمكننا الثّقة بالمرويات الدّينية وإجماع العوام؟
«تاريخ الكتاب المقدس لم يحدث في المرحلة الزّمنية أو بالشّكلية الموصوفين… بعض أشهر الأحداث المذكورة في الكتاب المقدس لم تحدث على الإطلاق.» – من مقدمة كتاب: التّنقيب عن الكتاب المقدس The Bible Unearthed، لعالمي الآثار الإسرائيليين إسرائيل فنكلستاين ونيل سيلبرمان.المهتم ببحث التّاريخ يعرف أن المشهور لا يكون دائمًا صحيحًا، وأن الشّائع بين النّاس قد لا يكون بالضّرورة مستندًا إلى أرضيةٍ ثابتةٍ كما يُتوقّع، فالتّاريخ يقوم على المعلومات الموثقة، لا على المتعارف عليه بين النّاس، وعلى مرّ الزّمن ما أكثر الأحداث التي لُفّقت والوقائع التي زُورت وطالها التّحريف والمبالغة والكذب، سواءً عمدًا أم خطئًا، وكم من معتقدٍ آمن به الملايين طوال قرون ثم مع الفحص الدّقيق تبيّن زيفه، وتحديدًا مع التّاريخ الدّيني المقدس للشعوب تزيد مساحة الخلط والتّهويل والخرافة، فكم من معلمٍ تمّ تقديسه ارتباطًا بأحداثٍ ووقائع مفترضة، بغير أن يقوم هذا الرّبط على أساسٍ حقيقيٍّ إلا الاعتماد على أساطير الكهنة وجريًا على ثرثرات العوام من المؤمنين الأمّيين.لو أردنا مثالًا على هذا فلا أشهر من موقع الجبل المقدس في سيناء المسمى بالطّور، حيث ارتبط تراثيًا وتاريخيًا على مدى قرون بأنّه المكان الذي تكلم فيه الرّب ذاته إلى موسى، ومنحه فيه الوصايا العشر –كما تذكر التّوراة– وعلى هذا الأساس اهتم المسيحيون الأوائل به، وتمّ بناء دير سانت كاترين بالقرب منه في القرن الرّابع للميلاد، غير أنّه مع قليلٍ من التّدقيق نجد أنَّ هذا الرّبط بين جبل سيناء التّوراتي وبين هذا الموقع الجغرافي المعيّن، هو ربطٌ حديثٌ زمنيًا وغير مبنيٍّ على أيّ أسبابٍ أو دلائل يمكن الوثوق بها إطلاقًا، ولم يبدأ إلا متأخرًا نسبيًا في القرون المبكرة للمسيحية، ثم تمّ ترسيخه مع مرور الزّمن، اعتمادًا على تراكم الأقاويل المتناقلة شعبيًا، ولكن بالنّسبة للباحث، يظل الرّبط مجرد أمرٍ تراثيٍّ لا تاريخيًا.مثالٌ آخر للتزييف التّاريخي نجده في أساليب استخدام الدّين والتّاريخ للترويج لأغراضٍ سياسية، من هذا قصة ذلك الطّلسم الخشبي المعروف باسم البالاديوم، المحتوي على صورةٍ منقوشةٍ للإلهة اليونانية القديمة بالاس، والذي كان وجوده – كما تحكي الأساطير – بداخل المدن الكبرى كفيلٌ بأن يحميها ويحصّنها من كل شر، فكان موضوعًا أولًا في طروادة العتيقة، والتي لم يتمّ غزوها إلا بعد سرقة الطّلسم السّحري منها، ثم مع بزوغ مجد روما لاحقًا وانتقال القوة العالمية إليها، تمّ نسج الأقاصيص التي تعود بروما إلى سلالةٍ طرواديةٍ عريقة، وسرت الأقاويل بأنّ البالاديوم موجودٌ بداخل المدينة العظيمة يحميها ويحرسها، ولاحقًا مع قرار قسطنطين نقل مركز حكمه إلى القسطنطينية، في القرن الثّالثّ للميلاد، وجرت الشّائعات بأن الإمبراطور قام سرًا بنقل الطّلسم من روما إلى عاصمته الجديدة حيث استقر هناك، هكذا في زمنٍ كانت العظمة فيه تُقاس بمدى العراقة والقدم والعمق الضّارب في التّاريخ، كانت الحكايات تُؤلف والأساطير تُصاغ بعنايةٍ لمنح المجد الماضوي إلى مدنٍ معينةٍ ونزعها عن أخرى.
هذه مجرد أمثلةٍ بسيطة، فالحقيقة أنّ معظم التّصورات التي سادت طوال قرونٍ بين البشر عن تاريخ الأديان والرّسالات وسيَر الأنبياء، قد بدأ التّشكيك فيها في عصرنا الحديث، من قِبل المؤرخين والباحثين وعلماء الآثار، في معظم الدّوائر العلمية المرموقة في الغرب خاصة.
حتى بعد تنامي أفكار العقلانية والعلمانية والتّنوير في أوروبا وزوال سلطة الكنيسة، ظل المعتقد السّائد لفترةٍ – مع بعض الاستثناءات – أنّ موسى هو من كتب التّوراة، وأنّ الكتاب المقدس بعهديه هو كتابٌ موثوقٌ به تمامًا من النّاحية التّاريخية على الأقل، ولم يبدأ التّشكيك في مصداقية تلك الأمور بشكلٍ جديٍّ إلا في النّصف الأخير من القرن التّاسع عشر، بعد اكتشاف التراث الهائل للحضارات العراقية والمصرية القديمة بعيد فكّ رموز حجر رشيد أوائل نفس القرن، وبعد بدء عمليات التّنقيب الأثري على نطاقٍ شاملٍ في المناطق الشّرق أوسطية، والتي يُفترض أنها وقعت بها أحداث التّوراة، مما مكّن العلماء من إعادة رسم صورةٍ جديدةٍ لتاريخ المنطقة، والنّتيجة أنه لأول مرةٍ بدأ وضع الكتاب المقدس، ليس كمرجعٍ حاكمٍ لا يأتيه الباطل يُقيّم التّاريخ في إطاره، وإنما كمنتجٍ ثقافيٍّ يحتمل الخطأ والصّواب، يتم تقييمه هو في إطار التّاريخ.
و لأنّ التّاريخ بطبعه يناقش أحداثًا غيبيّةً وقعت في الماضي، وبالتّالي فهي غير مشهودةٍ، فهنا يعمل الباحث بشكلٍ يشبه طريقة عمل شرطة التّحري حين تواجه جريمةً من الجرائم وقعت ولم يشهدها أحد؛ حيث تبدأ بجمع الأدلة المتاحة، كثرت أو قلّت من بقايا أو بصمات أو آثار دماءٍ مثلًا، وقد تستمع إلى شهادات وأقوال كل من له صلةٌ بالواقعة، ومن ثم أخيرًا تشرع في رسم عدة سيناريوهات متصوّرة لما قد يكون قد حدث بالفعل، وفي النّهاية يتمّ قبول أكثر السّيناريوهات (أو النّظريات) منطقيةً وتماسكًا باعتباره الأقرب إلى حقيقة ما حدث فعلًا على أرض الواقع، مفصولًا عن الخرافات الشّعبية والبروباغاندا السّياسية والدّينية.
هكذا بدأ في الدّوائر البحثية الغربية إعادة النّظر في كتابة موسى للتوراة، فظهر ما يسمى بالنّظرية الوثائقية، والتي تنصّ على أنّ التّوراة كُتبت على فتراتٍ زمنيةٍ مختلفة، وبواسطة مجموعاتٍ متنوعةٍ من الكهنة والأحبار، وكذلك بدأ التّشكيك في مصداقية الأحداث الموصوفة في ثناياها، كدخول بني إسرائيل إلى مصر واستعبادهم فيها وخروجهم منها بقيادة موسى، ثم غزوهم لفلسطين بقيادة يوشع، فظهر الرّأي بأنها في مجملها أحداثٌ وهميةٌ صِيغت في فتراتٍ متأخرةٍ لخدمة أهدافٍ سياسيةٍ محليةٍ معيّنة، وامتد الشّك ليطال وجود الأنبياء الأوائل الذين يُسمُّونهم الآباء أو البطاركة، كإبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف والأسباط، بل وضع احتمال أنها مجرد شخصياتٍ خرافيةٍ أسطوريةٍ شعبية، مثلها مثل الآلهة القديمة زيوس أو هرقل أو حورس أو كريشنا، إلخ…
ولم يختلف الحال مع مملكة داود وسليمان التّوراتية، والتي لم يجد الباحثون أيّ دليلٍ تاريخيٍّ أو أثريٍّ يُذكر يدلّ على وجودها خارج التّوراة، فتمّ اعتبارها مجرّد أسطورةٍ يهوديةٍ شعبيةٍ أخرى.
ولم يكن حظ المسيحية أفضل بكثير، فظهرت رؤًى بحثيةً متنوعةً تتراوح ما بين التّشكيك بوجود يسوع بالمطلق واعتباره شخصيةً أسطوريةً أخرى، وما بين الاعتراف بوجودٍ فعليٍّ واقعيٍّ لداعيةٍ يهوديٍّ عاش في ذلك الزّمن بالفعل، مع التّحفظ على كل ما ورد بشأنه في الأناجيل والتي –مثلها مثل التّوراة– لم تعد تُعتبر مراجع تاريخية يمكن الوثوق بها.
وتنوعت نظريات بحث الأديان تاريخيًا بين ما يمكن تسميته اتجاه تقليلي minimalism، والذي يميل إلى رفض التّسليم بالمرويات الدّينية وعدم قبول سوى الحقائق الصّلبة التي يوجد اتفاقٌ عليها أو تدلّ عليها الآثار، وما بين اتجاهٍ تكثيري maximalism، والذي لا يجد مانعًا في تصديق ما جاءت به المصادر الدّينية والتراثية، حتى وإن لم يكن هناك أدلةٌ صارمةٌ تدعمه، وشهدت العقومن المؤكَّد أنّ البحث في تاريخ الإسلام لم يقطع أشواطًا طويلة، يمكن مقارنتها بما تمّ في تاريخ اليهودية والمسيحية، فمع وجود جهودٍ جيدةٍ قديمةٍ وحديثةٍ من مستشرقين وعرب، بدأت بالتّساؤل مثلًا عن مدى مصداقية الأحاديث النّبوية الواردة عن محمد، وامتدت في قليلٍ من الأحيان لتشمل التّشكيك في تاريخ الجاهلية وأدبها، على نحو ما رأينا مثلًا في أفكار المستشرق الانجليزي مرجليوث والأديب المصري طه حسين، إلا أنّه وحتى اليوم، يظلّ المعتقد السّائد بين المتخصصين –كما بين غيرهم– هو التّسليم ضمنًا بصحة مجمل ما وصلنا في كتب السّيرة سواءٌ عن زمن ما قبل الإسلام أو عن سيرة محمد ودعوته ذاتها.بمعنًى آخر، فإنّ دراسة الإسلام تمرّ اليوم بما مرّت به دراسة التّاريخ اليهومسيحي منذ عقود، ولم تطلها المراجعة «الثّورية» بشكلٍ كافٍ حتى الآن، ولا نرى استثناءاتٍ لهذا سوى محاولاتٍ معدودة، لكنها متصاعدةٌ ومتناميةٌ لبعض الباحثين الذين صاروا يشككون في الثّوابت المعروفة للقصة الرّسمية التي وصلتنا عن نشأة هذا الدّين ويهدفون لإعادة رسم صورةٍ مختلفةٍ جديدةٍ للأحداث.
ولكن لو اتفقنا أنّ التّشكيك والرّفض ليس هدفًا بحدّ ذاته طبعًا، فهل هناك إذًا أسبابٌ تدعونا للريبة في الرّواية التّقليدية الإسلامية؟
بعيدًا عن الغياب شبه التّام لأيَّة آثارٍ جاهليةٍ تدعم ادّعاءات الرّواة وكتّاب السّير العباسيين بشأن تلك الحقبة، مثلًا، لم يتم العثور أبدًا على قصاصةٍ واحدةٍ من الشّعر الجاهلي المزعوم!، وبعيدًا كذلك عن الضّعف الواضح لمصادر السّيرة من النّاحية التّاريخية، فهي تمثّل أقاويل ظلت تتناقل شفهيًا لأكثر من قرنٍ من موت محمد (عام 632م)، ممّا يفتح الباب لكل تشويهٍ وتحريفٍ وزيادةٍ ونقصانٍ ونسيانٍ مرتبطٍ بالرّوايات الشّفهية، ثم تولى ابن إسحاق (المتوفي عام 768م) جمعها تحت سلطة الخليفة العباسي، وفي إطار ظرفٍ معقدٍ ومتصارعٍ دينيًا وسياسيًا، في كتابٍ مليءٍ بالأساطير والخرافات والأخطاء التّاريخية، لم تصلنا منه إلا نسخةٌ منقحةٌ على يد آخر هو ابن هشام، الذي يفصله قرنين كاملين عن زمن محمد، بينما لم يصلنا أيّة مخطوطةٍ كاملةٍ مما كتبه ابن إسحاق، مع ملاحظة أن المصادر الأخرى للسيرة هي كتبٌ متأخرةٌ: المغازي للواقدي 822م، وكتاب طبقات إبن سعد 845م، وتاريخ الطّبري 922م، ومجموعة كتب الصّحاح للبخاري 870م،والتي كتبت لسببٍ ما في جيلٍ واحدٍ في القرن التّاسع، ومسلم 875م، وإبن داوود 888م، والتّرمذي 892م، والنّسائي 915م، وإبن ماجه 886م، والغريب هنا أن الكتابات الأحدث تتضاعف فيها الرّوايات كمًّا وكيفًا عن الأقدم، أي كلما تأخر المصدر زمنًا، كلما ازدادت التّفاصيل التي يحكيها، وهو أمرٌ آخر يثير الشّكوك، أما أكثر المصادر قدمًا ومصداقيةً تاريخيةً، القرآن، فهو شحيحٌ جدًا في التّفاصيل يكاد يخلو مما يمكن الاعتماد عليه تاريخيًا.
د ال
ماذا عن الإسلام؟
في هذا السّياق النّقدي الاستشراقي الذي ابتدأ بشكلٍ منهجيٍّ منذ حوالي منتصف القرن التّاسع عشر، تعرّضت نصوص السّيرة ومعها الأحاديث المنسوبة للنبي محمد ونصوص التّاريخ المبكر للإسلام وخصوصًا في القرن الأول للهجرة، ومعهم الآليات الإسلامية المرافقة مثل سلاسل السّند وما يسمى بعلم الجرح والتّعديل، إلى نقدٍ منهجيٍّ منظمٍ بحيث تكشف معها من وجهة النّظر الاستشراقية على الأقل، بأننا لا نعرف في الحقيقة عن النّبي محمد إلا شذراتٍ بسيطةً جدًا، بحيث لا يمكننا معها تكوين أيّ تصورٍ واقعيٍّ عن حياته ولا عن أحداثها ولا عن تفاصيل دعوته، دع عنك إمكانية تكوين سيرةٍ كاملةٍ له كالتي نقرأها اليوم في مراجع إسلاميةٍ متعددة؛ فكما هو الحال تمامًا مع النّبي موسى والمسيح عيسى، من وجهة النّظر هذه فإنّ التّاريخ الذي ترويه التّوراة (أسفار موسى الخمسة) والأناجيل سواءٌ منها الأربعة المعترف بها من الكنيسة أو غير المعترف بها، هذه جميعها لا تروي تاريخًا حدث بالفعل ولكنها بالمقابل تروي لا شيء آخر سوى إلباس أفكارٍ دينيةٍ لبوس التّاريخ، يتمّ تشكيلها بواسطة قوة الأساطير الإبداعية وبشكلٍ غير واعٍ، ثم يتمّ تجسيدها من خلال شخصيةٍ تاريخية.
أخيرة من القرن العشرين طفراتٍ آثاريةٍ وبحثيةٍ جديدةٍ تبشر بإمكانية الجمع بين تلك الرّؤى المختلفة، في أُطُر أكثر تماسكًا، تمنحنا فرصةً أفضل لفهم ما حصل على الأرض، وكيف وصلت إلينا الأديان بالفعل.
الخلاصة أن شيوع المعتقد بين عددٍ كبيرٍ من النّاس، ولفتراتٍ طويلةٍ من الزّمن لا يجعله حقيقيًا، وأنّ مناهج البحثية الحديثة قد نجحت في قلب الكثير مما كان سائدًا ومتعارفًا عليه بين النّاس لقرونٍ طويلةٍ رأسًا على عقب.
يقول المستشرق ديفيد شتراوس، وهو باحث في التراث التّوحيدي:
«وبالنّسبة لقلب الجزيرة العربية فإنّ الأدلة الأثرية والتّاريخية عن الفترة الجاهلية تكاد تكون معدومة، وهنالك بعض النّقوش والآثار القليلة التي اُكتشفت في مناطق متفرقة من أطراف الجزيرة العربية وبالدّرجة الأولى في اليمن وحضرموت وكذلك في حفريات نمارة. كما توجد إشاراتٌ عابرةٌ إلى عرب الأطراف الشّمالية وبادية الشّام في النّقوش الأشورية والبابلية والفارسية. وكذلك إشاراتٌ أخرى يغلب عليها الطّابع الأسطوري واللاتاريخي في التّوراة، ثم هناك بعض الفقرات المتفرقة في الكلاسيكيات اليونانية في التّاريخ والجغرافيا لأخيلوس وهيرودوتس وبطليموس، كما تعاني الفترة الانتقالية من الجاهلية وصدر الإسلام من افتقارٍ مماثلٍ في المصادر والأدلة التّاريخية والأثرية.»
«والواقع أنه لا يوجد أيّ دليلٍ تاريخيٍّ أو أثريٍّ ملموس على وجود الإسلام قبل فترة عبد الملك بن مروان، فأقدم المساجد والنّقوش والآثار النّقدية والإشارات المتفرقة في أوراق البردي تعود إلى تلك الفترة، وحتى القرآن لا يشذّ عن هذه القاعدة، وأول دليلٍ ثابتٍ على وجوده يعود إلى الرّبع الأخير من القرن الهجري الأول، أواخر القرن الميلادي السّابع». من مقدمة كتاب: مقدمة في التّاريخ الآخر، سليمان بشير.
Brak komentarzy:
Prześlij komentarz