تأسست قرطاج في القرن التاسع قبل الميلاد من قبل بعض الفينيقيين الفارين من طير وهي المسماة اليوم صور. ولقد ظلّت قرطاج قرية صغيرة قبل نزوح الأمازيغ إليها بكثرة وظلت تدفع الضرائب والإتاوات إلى نوميديا وذلك بسبب ضعف الفينيقيين في الحرب وعدم جدارتهم فيها. فالأقلية الفينيقية اللتي كانت تسكن قرطاج لم تكن سوى جماعة من المستبدين وذكرهم العديد من الرومان بأنهم أغبياء وخاصة بعد غدرهم بحنبعل.
لكن من هو حنبعل؟
حنبعل هو ابن أمليكار برقا وعائلة برقا هي عائلة أمازيغية عسكرية معروفة على نطاق واسع في وقتها وهي أصيلة الشرق الليبي وتنسب إلى منطقة برقا. وكان الوضع في قرطاج في ذلك الوقت يشبه الوقت اللذي كانت فيه تونس اثر الاستعمار الفرنسي.فلقد كانت يسكن العاصمة خليط من السكان ويسمون أنفسهم البلدية ويتعالون على النازحين الجدد قبل أن تجرف موجات النزوح البلدية وتجعل منهم أقلية يندر العثور عليهم وحتى أن احيائهم الشهيرة مثل الحفصية أصبحت لا تختلف عن باقي الأحياء الشعبية.
هذه نفس حالة قرطاج قديما ولكن الأقلية الفينيقية بقيت متمسكة بالحكم.و لقد صار ما صار في الحرب البونية الأولى وانهزمت قرطاج.وقتها كانت علاقة قرطاج جيدة بنوميديا رغم أن نوميديا مازالت تحمل الغضينة من حرب ماطو وسرقة قرطاج للأراضي النوميدية.و استقدم الأمازيغي حنبعل في حربه الآلاف من الجنود النوميديين وذلك لما معروف عنهم من شجاعة وخفة وهم يضربون ضرباتهم المدوية فجأة ويبعثرون صفوف العدو قبل أن يرجعوا بسرعة واستقدم حنبعل مئات الفيالة الأمازيغ وهم المحاربون على ظهور الفيلة وهم أيضا نوميديون وفيل الأطلس اللذي كان يمتلكه النومديون وحسب ما يظهر على عملات النومديين كان أصغر حجما من بقية الأنواع وأرشق منها واستخدموه لإثارة الرعب في نفوس العدو وذكرت العديد من المصادر اللاتينية إغارة النومديين على مدن ايبريا مستعملين الأفيال. وأما الجمال فقد استخدم على نطاق أضيق لأنه لم يكن منتشرا بكثرة رغم أن موطنه الأصلي هو شمال إفريقيا ولم يحمله حنبعل معه في حملته ولا ننسى المشاة النومديين ورغم أن المشاة كانوا متنوعين وذلك لأنهم لم يكونوا عملة نادرة مثل الفرسان والفيالة ولأن المشاة الابيريين والبيلياريين أرخص .
بعد عبور حنبعل جبال الألب وخوض معركة تريبيا وما كان للنومديين فيها من فضل لإحراز الأمازيغي حنبعل الفوز وبعد المعارك المشهورة وبدهاء كبير أصبحت ايطاليا تحت سلطة القرطاجي حنبعل ورغم أنه حاصر روما فان حنبعل تمهل للهجوم عليها وللمرة الأولى يشق عصا الطاعة ولا يسمع كلام مهربعل.
من هو مهربعل؟
مهربعل هو قائد سلاح الفرسان النوميدي وتقلد هذه القيادة منذ عهد والد حنبعل أميلكار برقا، ويكن له حنبعل حبا فائقا، وأوصى مهربعل حنبعل بالهجوم الخاطف السريع وإتمام ما بدأ به. ولكن حنبعل أراد أن يكون نصرا ضخما ومكث ينتظر الإمدادات من قرطاج ولكن الفينيفيين اللذين كانوا يحكمون قرطاج لم يستجيبوا له ولم يعيروه اهتماما لضعفهم في الأمور العسكرية وانعدام الدهاء السياسي عندهم.و بقي حنبعل 16 عاما في ايطاليا إلى أن استعادت روما قوتها وجاء وقت الثأر لتنتقم نوميديا من قرطاج لأنها أوقفت الإتاوات وكدر الفينيقيون الأقلية عيشة الأمازيغ فيها وهم مازالوا يتذكرون حرب المتمرد ماطو وسرقة قرطاج للأراضي النوميدية.
اختار القائد الأمازيغي العظيم ماسينيسا أن يتاحلف مع الرومان لأنهم الأقوى في دهاء سياسي منه لم يعتد عليه حكام قرطاج واللذين اختاروا التحالف مع خصم ضعيف وهي مملكة نوميديا الغربية تحت حكم صيفاقس. وبالطبع أمر حنبعل الجنود النوميديين بمغادرة الجيش القرطاجي ولم يبقى تحت سلطة حنبعل سوى فرسان نومديين من المترزقة اللذين يعملون لحسابهم الخاص ودارت معركة زاما على التراب النوميدي وزاما تبعد خمس أميال جنوب غرب قرطاج.
خسر القرطاجيون تحت ضربات رماح الفرسان النوميديين فطلب حكام قرطاج السلام والعفو من روما وكانت مذلة جدا.فهؤلاء المهاجرون الفينيقيون اللذين جاؤوا فارين من بلد أخر سببوا في احتلال البلاد التونسية لانهم ليسوا أبناء البلاد ولا يعرفون قيمتها الحقيقية ولو لم يتبعوا سياسة الإبادة وإذلال الأمازيغ لبقيتا قرطاج ونوميديا شوكة في حلقة الرومان.
لقد انقلب ماسينيسا بعد أن استغل الرومان رافعا شعاره الشهير إفريقيا للأفارقة بعد التخلص من الفينيقيين في مرحلة أولى وهو يحلم بإخراج الرومان من قرطاج قبل أن يموت وحصلت عديد المناوشات بينه وبين الرومان بعد احتلالهم لقرطاج وبما أن نوميديا أصبحت خطرا وبعد موت ماسينيسا تدخل الرومان لقسمة المملكة على ثلاثة في عهد ابنه مسيبسا قبل أن يوحدها يوغرطة. ونذكر بعض الشواهد على قوة الفارس البربري وحسمه للحرب في ذلك الوقت:
معركة تسينو
وخاض حنبعل أول معركة وهي معركة تسينو التي دارت علي شواطئ نهر تسينو. حسمها حنبعل لصالحه بخطة سريعة لعب فيها الفرسان الأمازيغ ـ البربر دورا حاسما عندما طوقوا من الخلف كتائب الرومان الثقيلة بحيث لم تصمد برماحهم الطويلة أمام حراب الأمازيغ القصيرة والخفيفة والنافذة، وما هي الا لحظات حتي سقط القنصل ببليوس قائد الجيش تحت سنابك خيل هؤلاء الفرسان المردة. عاد هذا القنصل لروما جريحا وهو يردد لخاصته كيف وقع من صهوة جواده وسط فرسان غرباء لم ير مثلهم في حياته من قبل في سرعة الكر والفر، ويقصد الفرسان النوميديين الأمازيغ ـ البربر
معركة تريبيا
أمر حنا بعل خمسمائة من خيرة الفرسان النوميديين الأمازيغ ـ البربر وأصدر توجيهاته لقائدهم فقال له: توجهوا في بداية الليل الي معسكر العدو، اقتربوا من خنادقهم راكضين، وعندما يتصدي لكم فرسانه، التحموا معهم في معركة، ثم ولوا هاربين ممثلين اندحارا، فسيتبعكم العدو، وجهوه عند ذلك السهل الضحل حيث الكمين. ووقع القائد الروماني في الفخ.. وانطلقت المعركة فأعطي القنصل الأمر ببدء المعركة بتعقب النوميديين الأمازيغ المراوغين… وهُزم الرومان شر هزيمة
موقعة كناي العظمى
كان منيوسياس روفوس صغير السن، وقام حنا بعل بمناورة فهم منها الضابط الروماني أنه صار يخاف المواجهة ويهرب. وهكذا انطلت عليه مناورة حنا بعل الذي أظهر تقهقرا منهزما زيادة في اتقان حبكة الاستدراج الكبير الذي يعده لخصمه المغرور. كان حنا بعل يقود جيشا من أربعين الفا، بينما كان جيش عدوه يتجاوز المائة ألف، نصفهم من المجندين حديثا، واعتبر أنه أقوي جيش علي الإطلاق جمعته روما في تاريخها. وزيادة في الخديعة قام الفرسان النوميديون في خفة الأشباح بغارة صدتها القوات الرومانية بنجاح، وتقهقر الفرسان البربر مظهرين انهزامهم، فقرر عند ذاك القنصلان فارو وأميليوس مطاردة العدو المنهزم، وتقهقر القائد الأمازيغي مهر بعل عبر نهر أوفيدوس هاربا وجيشا القنصلين بتعقبانه، وضيق عليهما الخناق شيئا فشيئا فوق سهل كناي المكشوف، وذلك في اليوم الثالث من شهر آب ـ أغسطس
وترك حنبعل قادة وحداته ينفذون حرفيا خطته. وأبيد هذا الجيش الضخم. وعندما طلب منه رجاله أن يستريح أجابهم: ينبغي علي الطهاة أن يعدوا وجبة شهية، ويسخروا لها كل فنونهم، وتقدم مصحوبة بالخمر الي الجنود من سائر الرتب، فقد آن للجيش أن يستريح.
وهنا صاح العجوز مهر بعل الأمازيغي ـ البربري في غضب: حنا بعل.. اسمع لي جيدا، في خمسة أيام يستطيع الجيش أن يتناول هذه الوجبة في روما نفسها، سيسبقك فرساني كالبرق إليها، فيكتشف الرومانيون بحلولك بينهم من خلال هؤلاء الفرسان المردة قبل أن يعلموا بخروجك اليهم… وتطلع حنا بعل مليا في وجه مساعده العجوز، ثم أجابه: هذا مما يسهل قوله، ويبهج القلب سماعه، يا عمنا البطل، لكن امعان التفكير في الأمر وتقليبه علي عدة وجوه، يحتاج الي وقت طويل. وهنا لم يتمالك مهر بعل نفسه فصاح فيه في غضب، وقال له قولته الخالدة: حنا بعل.. لقد حبتك الآلهة بنعم كثيرة، فأنت تعرف كيف تحرز النصر، ولكنك لا تعرف كيف تستخدمه وتستغله… واستمع حنا بعل لمساعده الأمازيغي العجوز رفيق وصديق والده، ومعلمه سائر أنواع القتال والفروسية والرياضة، تمعن مليا فيه ثم أمر باطعام الرجال. وعند انتهاء جولته التفتيشية عاد الي مقر قيادته لينام نوما عميقا بين حراسه.ويعقب مؤرخو سيرة حنا بعل فيجمعون علي أنه لو عمل برأي القائد الفارس الأمازيغي مهر بعل لتمكن من احتلال روما وتغيير مجري التاريخ.. بدون حسم سريع ـ مثلما يراه مهر بعل ـ لا أمل في أن يكسب القرطاجيون الحرب في النهاية، لأنهم يقاتلون عدوا في بلاده، يملك تحت يده الشعب والغذاء والمال، بينما هو بعيد عن قرطاج، قطعت عنه الامدادات من إسبانيا التي تمكن سيبيو من السيطرة عليها، وعبر البحر المتوسط الذي تسيطر عليه الأساطيل الرومانية سيطرة مطلقة، ولا أمل في أن ترسل قرطاج نجدات عبره لحنا بعل.
المراجع
^ Ayrault Dodge، Theodore(1995). Hannibal: A History of the Art of War Among the Carthagonians and Romans Down to the Battle of Pydna, 168 BC.Da Capo Press.
^ Ayrault Dodge، Theodore(1995). Hannibal: A History of the Art of War Among the Carthagonians and Romans Down to the Battle of Pydna, 168 BC.Da Capo Press.
Brak komentarzy:
Prześlij komentarz