المظاهرات التاريخية الحاسمة ل 11 ديسمبر 1960 لتحرير الجزائر
تلقينا من المؤرخ لشلاش بومدين مقتطفات من مذكرات القائد الشيوعي الفقيد محمود لطرش. يحوي هذا النص غير المسبوق شهادته حول هذا الحدث التاريخي لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 من أجل إستقلال الجزائر و الـتي عاشها في قـلب حي القصبة رفـقــة إبنيه عمر و رضا الذان أصيبا بجروح.
و تبين هذه الشهادة مساهمة أحد أبرز المناضلين الشيوعيين الجزائريين في توجيه الجماهير الشعبية الثائرة أيام قليلة بعد خروجه من معتقلي الدويرة و بني مسوس.
و تبين هذه الشهادة مساهمة أحد أبرز المناضلين الشيوعيين الجزائريين في توجيه الجماهير الشعبية الثائرة أيام قليلة بعد خروجه من معتقلي الدويرة و بني مسوس.
.
الجزائر الجمهورية
.
مظاهـرات ديسمبر 1960 في حي القصبة بـالجزائـر العاصمة
’’ ... كـنا و لا سيما في أوائل شهـر ديسمبـر 1960 نشعـر بتحركات و استعـدادات غـريبة بين الأوروبييـن في الجـزائـر، و سمع حارس العـمارة، كما بلغـنا، الأوروبييـن من مستخدمين و رؤساء عـمل و مهندسيـن يتحدثون عن التأهب للقيام بثورة في الجزائر، و قـد قال أحدهـم:’’ لـو أصادف في طريقي أحد من يعملـون معـنا من الجـزائريين لأقـتـلـنـه...’’
أتينا للعمل كعادتنا في 9 ديسمبر 1960 فـلم نجد أحدا من المستخدمين و رؤساء العـمل الأوروبيين، سوى رئيـس الشغـيلة العـرب و كان من التـقـدمييـن، و على الأثـر بدءنا نتسـرب للطابق السابع، و بقي الحارس واثنان من الشغيلة العرب مع رئيس العمل، و عـقـدنا اجتمعا، بعـدما وضعنا من يراقـب ليحذرنا من قـدوم أحد الأوروبيين، أخذنا نبحث دون نظام عن الأسباب الداعـية لقـدوم الأوروبيين على القـيام بأعمال التمرد هـذا، و مـا يجـب أن نصنع أمامه، و اتـفـقـنا جميعـا على أن الهدف الـذي يرمي إلـيه الأوروبيون هـو منـع الحكومة الفرنسية من القيام بأي حل سلمي للقضية الجزائرية، وعليه فهم يتوجهون ضد حكومتهم قـبل كل شيء، و لـيـس بمقـدورهـم محاربة الجـزائـريين في نـفـس الوقـت، و أخيرا اتـفـق الجميع على أن لا نبادر بمهاجمة الأوروبيين إلا إذا هاجمونا و في حدود الدفاع عـن النفس.
و في الحال أخرج أحدهم من بين ثيابه ورقة ليطلعنا على تعليمات الحكومة المؤقـتة للجمهورية الجزائرية في هذا الموضوع الصادرة في أواخر شهر نوفمبر 1960 تصديقا لآرائنا و قد جاء فيها ما معناه:
1 ـ على منظمات الجبهة في المدن الاحتفاظ بسريتها و مضاعفة يقظتها.
2ـ المطلوب من سكان المدن البقاء على جانب من الحوادث و شجب كل عمل استفزازي وإتباع شعارات الحكومة المؤقتة.
3ـ على الفـرق المحاربة في المدن أن تكـون على أهـبة الاستعـداد للتدخل في حالة تهديد الفـرق الفـاشية وجنود الجيش السري لسكان المدن.
و أضـفـت إلى ذلك قـولي: يوجد بين الأوروبيين من يعـملـون على استـفـزاز الجزائريين بغـية جرهـم إلى مهاجمة الأوروبيين، و غرضهم من ذلك تأليب الرأي العام و لا سيما في فرنسا على الجزائريين و الثورة الجزائـرية، و إظهارنا بمظهـر الشوفـينيين المتعصبين الدينيين و نزع الصفات الوطنية و الاستقـلالية عن ثورتنا التحررية، و سر الجميع بهذا التفسير و افترقنا على أن نجتمع في اليوم التالي.
شاهدت لدى عـودتي إلى المنزل فـريقـا من الطلبة الأوروبيين في حي الأغـا يحاولون اقـتحام دار الشرطة المركزية، و جنود الشرطة تقذف المهاجمين بالقنابل المسيلة للدموع، و كانوا يتراجعون بغير نظام ليعيدوا الكرة من نواحي أخرى، أما في القصبة فـكان الوضع شبه طبيعي، و في اليوم العاشر من ديسمبر قـطعـت المواصلات، و عبثا حاولت التنقل إلى محل العمل للاجتماع بالشغـيلة كما تواعدنا.
نـظـم المستعـمرون ذاك اليـوم عـدة مظاهـرات في مختلـف المدن الجزائرية، و ارتـكـب المـسـتـفـزون من الأوروبيين عـدة اعـتـداءات أجاب الجـزائريون على بعـضها بالمـثـل، و في اليوم الحادي عـشر من شهـر ديسمبـر جاء إضراب الجزائريين كـرد فـعـل على تـلـك المظاهـرات و الاعـتـداءات و استغـلـت في البـدء جماعـات ’’لاساس’’ (المكاتب العـسكرية) مـن الجزائريين ذاك الإضراب للتظاهـر في الشوارع العـربـيـة والمناداة بشعار ديغول آنئذ: “الجزائر جزائرية”.
لم أقو على البقاء في المنزل، بل تناولت ماعون الحليب وقفة باسم البحث عن الحليب و البطاطا و سـرت صحبة ولدي الصغيرين عمر و رضا، أجوب الشوارع بعد ما هيأت بعض الشعارات لمعارضة شعارات
جماعات “لاساس” التي أخـذ بعـض الأولاد يرددونها، لتلقينها للشبان و الأولاد و النساء، فـكـنـت أؤم كـل جمع من الشبان و الرجال و النساء و الأولاد لأتلو عليهم أهون الشعارات و أسهلها للحفـظ و منها:“تحيى الجزائر و الشعـب الجزائري، يحيى الاستـقـلال”، “تحيـى جـبهـة التحرير الوطني و الحكومة المؤقـتـة” “الجزائر عربية, يحيى الاستقلال ...” و غـيرها من الشعارات، و الغـريب هو أنني كنت أسمع الأولاد في الأحياء الأخرى يرددون نفس هذه الشعارات على نفس النغم قبل أن أتلوها عليهم.
لم أقو على البقاء في المنزل، بل تناولت ماعون الحليب وقفة باسم البحث عن الحليب و البطاطا و سـرت صحبة ولدي الصغيرين عمر و رضا، أجوب الشوارع بعد ما هيأت بعض الشعارات لمعارضة شعارات
جماعات “لاساس” التي أخـذ بعـض الأولاد يرددونها، لتلقينها للشبان و الأولاد و النساء، فـكـنـت أؤم كـل جمع من الشبان و الرجال و النساء و الأولاد لأتلو عليهم أهون الشعارات و أسهلها للحفـظ و منها:“تحيى الجزائر و الشعـب الجزائري، يحيى الاستـقـلال”، “تحيـى جـبهـة التحرير الوطني و الحكومة المؤقـتـة” “الجزائر عربية, يحيى الاستقلال ...” و غـيرها من الشعارات، و الغـريب هو أنني كنت أسمع الأولاد في الأحياء الأخرى يرددون نفس هذه الشعارات على نفس النغم قبل أن أتلوها عليهم.
و سرعان ما كنست الجماهير الشعـبية جماعات “لاساس” و تولى المناضلـون قـيادة النضال الجماهيري، سيطروا على الشوارع، وعندها أخذت المظاهرات صفاتها الجماهيرية لا سيما في حي بلكور،واصطدمت بغلاة المستعمرين و الجيش الفرنسي، و لأول مرة أشاهد الأعلام الجزائرية خفاقة فوق رؤوس الجماهـير. كانت سيطرة الجماهير الجزائرية على الشارع تامة طيلة أيام الإضراب، لم أر خلالها أثـر للجند الفرنسي في حي القصبة. مكثنا بضعة أيام لم نـر خلالها للنوم طعـما في تلك الليالي، كانت زغاريد النساء و أناشيـد الشبـان و الأولاد و الشعارات الثـورية التي كانت تـلقـى من آن لآخـر، تختـرق حجب الـليـل في كـل حي، و تجند حولها جماهير الشعب كله: “عاشت جزائر حرة لنا”، “دوما أرضها لكلنا” و كم سمعت هذا النشيـد من أفـواه الشبان و المناضلين الفلاحين في معـتـقـلات بني مسوس و الدويرة، لأنهم كانوا واثقـيـن من أنهم يحاربون من أجـل الاسـتـقـلال الوطني و الأرض
...
...
كانت أبواب المنازل في تلك الليالي مفتوحة في حي القصبة طيلة أيام الإضراب و يطوف الرجال و الشبان و الأولاد الشوارع متظاهـرين استعـدادا لصـد هـجـوم طارئ يقـوم به الجيش الفـرنسي و منظمات الجيش السري، و جعل من تلك المنازل ملجأ في حالة الفرار من وجه الجيش الفرنسي المهاجم. أصبحت الأعلام الجزائرية خلال تلك الفـترة ترفـع علنا فـوق المنازل و الأبـواب. بينما كان القتـل جزاء لكل من يرفع هـذا العلم، و كم من شاب أو حتى طفل قتل لرفعه العلم الجزائري.
أما في حي بلكور فقد هاجمت الجماهير الشعبية جنود الدبابات الذين أتت بهم السلطات الفرنسية من داخل البلاد، لقمع المظاهرات و إخماد جذوة هـذا الغليان الجماهيري المتصاعد في المدن، و بذلك خفف الجيش الفرنسي من ضغـوطه على جـيـش المجاهـدين في الجبال. كان المتظاهـرون ينادون الجنود: اخرجوا من دباباتكـم إذا كنتـم حقـا رجالا و قاتلـونا بنفـس السلاح الذي نقاتلكـم به و سوف نرى لمن ستكـون الغـلـبـة. واصطدام المتظاهرون الجزائريون بالجند الفرنسي والشرطة وبغلاة المستعمرين في الشارع “دي ليون” سابقا أمام مخازن ’’المونوبري’’، و كانت معـركة هائلة ذهب ضحيتها العـديـد من الجزائريين بين قـتـلـى و جرحى و سطروا بدمائهم صفحة مجيدة في تاريخ الثورة الجزائرية.
وجدت يـوما في طـريـقي مظاهـرة كـبرى نظـمـها الشـبـان بصورة عـفـوية في شارع “رانـدون” سابـقـا، ووجهتهم شارع “لالير” سابقا وعندما توسطوا شارع “لالير”سابقا،سألت قادة المظاهرة إلى أين وجهتكم؟ أجابوا “بلاصة العـود” أي ساحة الشهداء، فأشرت عليهم بالبقاء في أماكنهم، حتى أذهـب و أرى إذا كانت هناك قوة عـسكرية في باحة الشيخ بن باديس اليوم، أمام نادي الدكتور سعـدان، و كان الجنود الفـرنسيـون يحتلونه، فوافقوني على ذلك و بقوا في أماكنهم، و لما وصلت الباحة المذكورة وجدتها تعج بالجند الفرنسي و بعضهم يستعد لمجابهة المتظاهرين، و منهم من كان منبطحا على زاوية الرصيف خلف مدافـع رشاشة، وبعض الدبابات تحتل الباحة،مررت أمامهم صحبة ولدي والقـفـة وماعون الحليب في يدي وكلهم ينظرون إلي حتى تعديتهم دون أن يعترض سبيلي منهم أحد، و دخلت حانوت بالقـرب منهم في عمارة “لافيجري” آنئذ، يبيـع الفـواكه فاشتريت شيئا من التمور بعـدما سألتهم إذا كان لديهم شيئا من البطاطا، فأجابـوا بالنفي. عـدت أدراجي من ناحية شارع “شارتر” سابقـا و منه صعـدت إلى نهج “لالير” و أعـلمت الشبـان الـذيـن وجدتهم في انتظاري بحقيقة الوضع، و ما ينتظرهم من مصير إذا استمروا في سيرهم نحو ساحة الشهداء، و أشرت عليهم بالعودة إلى نهج “راندون” و القيام باجتماع عام أمام سوق الخضر، و أخيرا تم الأمر على هذا لشكل.
أذكر أنني وجدت يوما الأطفال يفرون كعصافير الدويري على غـير هدى بالقرب من جامع سفير في حي القصبة، عـندما شاهـدوا جنود الدرك الفرنسي يتقدمون نحوهم، فطلبت منهم الوقـوف بعـدما أشرت عليهم بأن لا يخافوا فوقفوا يصغون لقولي و كأنهم يصغون إلى معلم مدرسة، قلت لماذا تفرون من وجه الدرك ؟ إن الدرك معنا، فعاد الأطفال إلى سابق تجمعهم وأخذوا يصيحون بصوت واحد ويكررون باللغة الفرنسية: عندها وقف الجند في أماكنهم جامدين، ولم يتقدموا خطوة واحدة، وكنت les gendarmes avec nous أسير باتجاههم، ثم عادوا أدراجهم إلى حي “مونبانسيي” دون أن يمسون أحدا بأذى.
أتى خلال أيام الإضراب ابني الكبيـر عـمـر للمنزل و كان لا يتجاوز التاسعة من عـمره مـبحوح الصوت و الدماء تسيل من رأسه و قـد غـطـت قسما من وجهه، فلما شاهدني أجهش في البكاء، ظننت أن أحد أولاد الحي أصابه بضربة على رأسه، غـير أن من يرافـقـونه من الأولاد أتوني بالخبر اليقـين، و كانوا جميعهـم يتكلمون دفعة واحدة، و أخيرا عرفـت أو فهمت منهم، أن أحـد “رجال الحرس الفـرنسي المتحرك” ضربه على رأسـه بسلسلـة الحديد التي تربط مسدسه، خلال مظاهـرة قام بها الأولاد خارج حي القصبة. أما أخوه الأصغـر رضا و كان في السابعة من عمره،فـقـد أتى للمنزل يشكو من رضوض في جسمه،وذلك لأن أحد “رجال الحركة”رفسه بحذائه كاد يلقي به في درج بولفار وريدة مدني (غامبييتا) سابقا، لو لم يتلقاه الحائط ، و لعله كما قص علي الأولاد كان يقضى عليه بتلك الرفسة لو سقط في الدرج.
لـقـد أحدث ذاك الإضـراب و تلك الاصطدامات و المعـارك المجيـدة، التي خاضتها الجماهـيـر الجـزائريـة العاملـة في مختلف أنحاء المدن، ضد جنـد مدجـج بأحدث الأسلحـة العـصرية، انعـطافـا حاسـما في تاريـخ الثورة الجزائرية، و سجلت نهوضا ثوريا جديدا خارقا في حركة التحرر الوطني. و حطمت تلك الجماهير في نفس الوقت بمواقفها الحازمة الصلبة و إيمانها المتيـن في حقها بالاستقلال، كـل ما بناه الجنرال ديغول و معـه المكتب الخامس في الجيش الفـرنسي المختـص بالحرب النفسـيـة، و مكاتب “لاساس” من آمال في اكتساب عواطف جماهير الشعب الجزائري، بالصدقات التي كان يتمكن بها قـباطنة “لاساس” على بعـض الجزائريين ممن كانوا يحومون في فلكهم. و أكسب هـذا النهوض الثوري الخارق في المدن حركة التحرر الوطني في الجزائر زخما جديدا يعادل نضال العديد من السنين.
ظن الجنرال ديغول و أعـوانه أنهم، بأحابيلهم و مشاريعهم التافهة بالنسبة للاستقـلال الوطني، الذي أصبـح يراه كل جزائري في متناول يده، كمشروع قسطنطين، سيتمكنون من تضليل الشعب الجزائري،وجره مرة أخرى إلى نيرعبوديتهم تحت أسماء و ألبسة براقة مثل: “القوة الثالثة” و“سلام الشجعان” و غيرها، إلا أن حوادث ديسمبر 1960 و مواقف جماهير الشعب الجزائري العاملة الصلبة، التي أنضجتها حرب أكثر من ستة سنوات، و زادتها وعـيا و إيمانا بحقها في تقـرير مصيرها بنفسها، قـد لقـنـت المستعـمرين الفـرنسيين و الجنرال ديغول على رأسهم درسا في السياسة و الإستراتيجية و التكتيك لم ينسوه و لن ينسـوه إلى الأبـد. و برهنت للرأي العام الفـرنسي و العالمي، أن الشعـب الجزائري لـن تثنيه تلك الترهات عـن عـزمه، و لا يريد عـن استقلاله بديلا، و لـن تخيفه تلك الجنود الجرارة التي بلغ عددها في أواخر سنة 1960 ما يقارب على ما قـيـل من 800 ألف جندي مع الشرطة و الدرك و الحرس المتحرك و جنود الحركة...
مهما تألبت عليه قـوى الشر والاستعمار. لا سيما بعدما لمس الجزائريون بأيديهم أن بجانبهم قوى عظيمة تـفوق قـوى المستعمرين الفرنسيين و كافة أنصارهم من حلف شمال الأطلسي و الامبرياليين الأمريكيين على رأسهم، ألا و هي قـوى الشعـوب العـربية و الـدول الاشـتراكـيـة، و الاتحاد السوفـيتي في مقـدمتها، و كذلك قـوى الشعـوب والدول الإفـريـقـية و الآسيوية و كـل قـوى الحرية و السلـم في العالـم، و بالأخـص قـوى اليسـار التقدمية في فرنسا نفسها، تلك القوى التي سهلت لها معارك الشعب الجزائري و مظاهـراته الأخيرة العمل لوضع حد لحرب الجزائر، و الاعتراف بحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه.
بلغـت حصيلـة تلـك المعارك طيلة أيام الإضراب في كافـة المـدن الجزائريـة المـئات و المئات من القـتـلى و الجرحى، استشهدوا من أجل جزائر حرة مستقلة و ديمقراطية.
أصبح بنتيجـة تلك المعارك من المتـعـذر حتى على دول حلـف شمال الأطلسي و الامبريالييـن الأمريكييـن الدفاع علانية أمام المحافل الدولية عن سياسة حلفائهم المستعمرين الفرنسيين العدوانية في الجزائر، بفضل ما اكتسبت جماهـيـر الشعـب الجزائـري بنضالها الشـاق الطويـل لـقضيتها العادلـة، و خـصوصا بعـد تلـك الحوادث الدامية من عطف قوى الحرية والسلم في العالم، وليس قرار اللجنة السياسية لهيئة الأمم المتحدة، الذي اتـخـذتــه في 15 ديسمبر 1960 سـوى خيـر شاهـد على ذلك و فـيه تعـتـرف صراحة بحـق الشعـب الجزائري في تقريرمصيره بنفسه،بأغلبية 63 صوتا ضد ثمانية أصوات وامتناع 27مندوبا عن التصويت.
...
...
قـص عـلينـا الشغـالون بعـد عودتنا للعمل و يقـطـن أغـلبهـم في حي “سلامبي” ما قاموا به من الأعمال الجريئة خلال أيام الإضراب، و رد عدوان المستفزين من الأوروبيين عـن أحيائهم، و كيف نظموا حراسة منازلهم، و ما لقيه بعض المعـتدين من الجزاء على أيديهم. و قـد احرقـوا سيارة بالـقـرب من العـمارة التي نشتغـل فـيها بعـدما قـتـل سائقها اثنين من الجزائريين و قـتـل هو فـيما بعـد ...
ذهبت صباح يوم الاثنين للعمل في حي الأبيار ... جلست على حدة انتظر قدوم رئيس شغيلة البناء و يدعى عبد القادر، و كان من المؤيدين لحزبنا، و لما حضر قدمت له نفسي و كان على علم بقـدومي، و في الحال قدم لي عملا و بدأت الشغل، و جدت أكثر من يعملون هناك من بلـدة جيجل، و قـد أقـبلوا علي يرحبون بي مع أنه لم تكـن لي سابق معـرفـة بهم، سألت أحدهـم إذا حصل بيننا تعارف في السابق؟ أجاب كـلا إلا أنني أعرفك و أنت لا تعرفني، ثم أضاف ألست أنت الذي كنت تلقن الأولاد والشبان في القصبة إلقاء الشعارات خلال الإضراب ؟ و عـدا ذلك قـد حدثنا عـنك من كان يعمل معـك في بيرمندريس ...’’
.
مقتطفات من مخطوط مذكـرات محمود الأطرش ـ طريق الكفاح ـ ( السـفـر إلى الجزائر) الـقـسـم الثاني، برلين الشرقية 20 نوفمبر 1972، من الصفحة 317 إلى 324.
Brak komentarzy:
Prześlij komentarz