niedziela, 11 listopada 2018

اورشاليم

3 سور المدينة وأبوابها:
منذ أن دمر الملك المعظم عيسى الأيوبي أسوار مدينة القدس سنة 1219م ظلت المدينة عمليًا بلا أسوار لمدة تتجاوز الثلاثمائة عام، فأراد السلطان سليمان إعادة بناء سور المدينة لتحقيق هدف مزدوج منه، أحدهما لحماية المدينة من الغزاة الأجانب من جهة، ولحمايتها من غارات العربان من جهة ثانية، فتم بناء السور حول مدينة القدس القديمة، وهو يجري على خط سور مدينة ايليا كبيتولينا القدس التي أعاد بناءها الامبراطور الروماني هدريانوس سنة 135م بعد خرابها الثاني وأطلق عليها هذا الاسم.
استمر بناء السور خمس سنوات (943هـ – 947هـ / 1536 م – 1540م) واقتضى نفقات طائلة وتبين سجلات المحكمة الشرعية في القدس أنه كانت تنظم حملات لتمويل المشروع في مختلف أنحاء فلسطين وذلك لإكمال المخصصات التي كانت ترصدها الحكومة المركزية لهذا المشروع.
والسور الضخم الذي بناه السلطان سليمان القانوني لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا، ويبلغ حوالي الميلين ومعدل ارتفاعه أربعين قدمًا، ويبلغ عدد أبراج السور في الوقت الحاضر 34 برجًا وله سبعة أبواب، وتم بناء وتعمير ستة منها في عهد السلطان سليمان وهذه الأبواب هي:
أ- باب العامود:
ويسمى باب دمشق وباب النصر أيضًا، وهو باب رئيسي مشهور من أبواب المدينة المقدسة والمنفذ الرئيسي لها، ويقع في منتصف الحائط الشمالي لسور القدس تقريبًا، وقد أعيد بناؤه في عهد السلطان سليمان في سنة 944هـ / 1538م ويشير طراز بنائه إلى أثر العمارة العسكرية في تصميمه.
ب- باب الساهرة:
ذكره المقدسي في كتابه (أحسن التقاسيم) باسم جب أرميا وهو المعروف عند الغربيين باسم باب هيرودس ويقع إلى الجانب الشمالي من سور القدس على بعد نصف كيلو متر شرقي باب العامود، وقد أعيد بناء هذا الباب في سنة 944هـ / 1538م حيث يوجد نقش حجري يبين اسم السلطان وألقابه وتاريخ تجديده.
ج– باب الأسباط:و- باب الخليل:
ذكره المقدسي في كتابه (أحسن التقاسيم) باسم باب محراب داود، ويسمى أيضًا باب يافا، وقد جددت عمارته في سنة 945هـ / 1358 – 1359م.
4 المنشآت المائية:
أولى السلطان سليمان مشكلة المياه المزمنة في مدينة القدس عنايته الفائقة حيث خصصت مبالغ طائلة من الأموال لبناء المنشأت المائية ولإصلاحها وصيانتها.
أ- قناة السبيل:
تم تعمير هذه القناة التي كانت تزود مدينة القدس بالماء من البرك والينابيع الكائنة بين مدينتي الخليل وبيت لحم. والتي سميت فيما بعد باسم السلطان أي برك سليمان.

يعرف أيضًا هذا الباب باسم باب ستنا مريم وباب الأسود، ويقع شمالي الحرم إلى الشرق. وهو باب قديم العهد رمم وأصلح عدة مرات كان آخرها في عهد السلطان سليمان سنة 945هـ / 1538 – 1539 وله ساقطة لصب الزيت المغلي على الأعداء ومزغل لرمي السهام.
د- باب المغاربة:
ويسمى باب سلوان أو باب الدباغة أيضًا ويقع في الحائط الجنوبي لسور القدس، ويختلف هذا الباب عن بقية أبواب القدس الأخرى بأنه أصغرهم حجمًا ومن حيث البساطة في التكوين المعماري وقد حدد هذا الباب في سنة 947هـ / 1540م.
هـ- باب النبي داود:
ويعرفه الغربيون باسم باب صهيون، وقد جددت عمارته في سنة 947هـ / 1540 – 1541م.
ب- بركة السلطان:
تم في عهده أيضًا ترميم البركة الموجودة في داخل المدينة والواقعة خارج باب الخليل، والمعروفة بهذا الاسم.
ج- تم بناء ستة أسبلة جميلة هي:
1- السبيل الواقعة قبالة بركة السلطان في جانبها الجنوبي.
2- السبيل الواقعة في طريق الواد قرب سوق القطانين.
3- السبيل الواقعة بالقرب من الحرم إلى الشمال من باب شرف الأنبياء.
4- السبيل الواقعة عند ملتقى الطرق المؤدية إلى طلعة التكية وباب الناظر وهو من أبواب الحرم.
5- السبيل الواقعة بالقرب من باب الأسباط وعند باب السلسلة أمام المدرسة التنكزية وتظهر على هذه الأسبلة نقوش تدل على سنة بنائها وهي سنة 943هـ / 1536م.
5 رباط بيرام جاويش (المدرسة الرصاصية):
تم بناء هذا الرباط على يد الأمير بيرام جاويش بن مصطفى سنة 947هـ / 1540 – 1541م في عهد السلطان سليمان ويبدو ذلك من نقش مكتوب بأعلى مدخل الرباط.
يقع هذا الرباط عند ملقتى طريق الواد بطريق باب الناظر وعقبة التكية، ويتكونمن طابقين يتم الوصول إليهما عبر مدخل شمالي جميل الشكل ويعلو بارتفاع طابقي البناء وهو مزخرف بالأحجار الملونة، ويؤدي المدخل إلى دركاة تفتح على ساحة مكشوفة في الطابق الأول من الجهة الشرقية، وفي الجهة الغربية درج يسير باتجاه الجنوب ثم ينعطف غربًا للوصول إلى مختلف أجزاء الطابق الثاني وملحقاته ويضم الطابق الثاني عددًا من الساحات المكشوفة وأكبرها الساحة المركزية، كما يضم مسجدًا جميل الشكل والتكوين وغرفًا وقاعات.
لقد تم ترميم هذا البناء الذي يعتبر من النماذج الجميلة للفن المعماري الإسلامي في القدس عدة مرات، فهو مجمع معماري متميز من حيث المساحة والإبداع، وكان يضم مكتبًا لتعليم الأولاد القراءة والكتابة مجانًا أي (كُتاب) وأصبح يطلق عليه فيما بعد أي في العصر العثماني المتأخر باسم المدرسة الرصاصية ولعل هذه التسمية جاءت من استعمال ألواح الرصاص في ربط مداميك الحجارة بعضها ببعض نظرًا لقلة وجود مادة الجير عند إقامة البناء، والمدرسة اليوم هي جزء من أبنية مدرسة دار الأيتام الإسلامية داخل السور.
6 مكتب بيرام جاويش:ففي سنة 1621م جرت محاولة تعيين أول قنصل لفرنسا في مدينة القدس هو م.جان لامبرورM.Jean Lempereur ولكن تعيين هذا القنصل اصطدم بمعارضة قوية من قبل أهل القدس وقضاتها وحكامها ووجهائها، فما لبث أن صدر الأمر السلطاني بترحيل السيد لامبرور عن المدينة المقدسة.
جددت فرنسا محاولاتها لتعيين قنصل آخر مكانه، فأصدر السلطان مصطفى الأول وفي ذات العام 1621م فرمانًا سلطانيًا جديدًا يقضي بتعيين السيد دارامون Daramon قنصلاً فرنسيًا مقيمًا في القدس، وقوبل هذا الفرمان أيضًا بالسخط الشديد من أهل المدينة لتخوفهم من المطامع الأوروبية في المدينة، فعقد ممثلو المدينة اجتماعًا في المسجد الأقصى، وكتبوا عريضة أكدوا فيها أن تعيين السيد دارامون كان بدعة خطيرة تتعارض مع ما جرت عليه العادة في القدس، ولذلك فلا بد من إلغائه.
قال واضعو العريضة: ( إن بلدنا محل أنظار الكافرين إذ حل سعيهم وعملهم عليها ومع ذلك قرب الأسكلة ( أي ميناء يافا ) على ثماني ساعات  ونحن نخشى من جلب أناس آخرين غيره بدسائس يعملها المذكور مع ما عندنا منهم الآن. ونخاف من الاستيلاء علينا بسبب ذلك كما حصل في الزمن السابق مرارًا).

وهو من الملحقات البنائية للرباط ويقع في الجهة الشمالية لعقبة التكية عند التقائها مع طريق الواد وقد بناه الأمير بيرام جاويش بنمصطفى سنة 947هـ / 1540 – 1541م في عهد السلطان سليمان القانوني ويتكون هذا المكتب من بناء مربع الشكل تغطيه أقبية متقاطعة وفي وسط ضريح منشئه.
7 تكية خاصكي سلطان:
أنشئت على يد زوجة السلطان سليمان وهي روسية الأصل واسمها روكسلانه والمعروفة باسم خاصكي سلطان (أوخرم) وكان ذلك في سنة 959هـ / 1551 – 1552م وسرعان ما أصبحت هذه التكية أهم مؤسسة خيرية في فلسطين.
كانت التكية مجمعًا بنائيًا ضخمًا يضم مسجد وخان ورباط ومدرسة ومطبخ وتقع اليوم خلف دار الأيتام الإسلامية وعلى بعد أمتار قليلة من رباط بيرام كان المطبخ وهو قائم الآن بشكل دكة باتت على وشك الزوال يقدم يوميًا مئات الوجبات إلى يومنا هذا يقدم الوجبات مجانًا إلى الفقراء والمحتاجين.
ولقد أوقفت خاصكي سلطان وقفًا ضخمًا للإنفاق على التكية، وقد ضم الوقف عدة قرى ومزارع في أربعة سناجق وألوية في سوريا وفلسطين ومعظمها بجوار مدينة الرملة كما أوقف السلطان سليمان عليها بعد وفاة زوجته أربع قرى ومزارع في ناحية صيدا.
في عهد السلطان سليمان القانوني صكت نقود جديدة سميت باسمه (الفضة السليمانية) كما تم فرض رسوم على زوار كنيسة القيامة (القبر المقدس) وفي سنة 926هـ / 1520م عهد إلى آل أبو غوش حراسة طريق القدس – يافا وأجيز لهم أن يحصلوا من السياح والسالكين لتلك الطريق بعض العوائد المقررة، وفي عام 1566م وبينما كان السلطان سليمان في طريقه لصد هجمات النمسا عن بلاد المجر التابعة لسيادته أصيب بمرض النقرس، واشتد عليه المرض حتى وافته المنية في 20 صفر سنة 947 هـ / 1566 م.


القدس خلال القرن السابع عشر

في بداية القرن السابع عشر بدأت تظهر تصدعات خطيرة في كيان الدولة العثمانية، وذلك نتيجة لضعف سلطة الحكومة المركزية مما كان له أكبر الأثر في تدهور الوضع الأمني في الأقاليم والولايات وخصوصًا في مدينة القدس وعلى الطرق المؤدية إليها.
وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة المركزية لإجراءات وتدابير مختلفة لضبط الأمن مثل إنشاء عدة قلاع مختلفة، إلا أنها فشلت في فرض النظام العام وصيانة الأمن وذلك لعدم قدرتها على تخصيص لأموال والقوات الكافية لتطبيق هذه الإجراءات بالشكل الصحيح، وذلك لتوريطها في الحروب الخارجية على الجبهتين الشرقية والغربية منها.
ومن جهة أخرى لاقي العثمانيون صعوبات كبيرة وكثيرة في محاولاتهم لحل النزاعات بين الطوائف المسيحية المختلفة الموجودة في مدينة القدس، والمدعومة من قبل الدول الأوروبية حول الأماكن المسيحية في المدينة. فقط ارتبط تاريخ هذه الطوائف في الأوروبية، وتنافس هذه الدول فيما بينها وحرص كل منها على زيادة نفوذها في الأراضي المقدسة.
ففي سنة 1621م جرت محاولة تعيين أول قنصل لفرنسا في مدينة القدس هو م.جان لامبرورM.Jean Lempereur ولكن تعيين هذا القنصل اصطدم بمعارضة قوية من قبل أهل القدس وقضاتها وحكامها ووجهائها، فما لبث أن صدر الأمر السلطاني بترحيل السيد لامبرور عن المدينة المقدسة.
جددت فرنسا محاولاتها لتعيين قنصل آخر مكانه، فأصدر السلطان مصطفى الأول وفي ذات العام 1621م فرمانًا سلطانيًا جديدًا يقضي بتعيين السيد دارامون Daramon قنصلاً فرنسيًا مقيمًا في القدس، وقوبل هذا الفرمان أيضًا بالسخط الشديد من أهل المدينة لتخوفهم من المطامع الأوروبية في المدينة، فعقد ممثلو المدينة اجتماعًا في المسجد الأقصى، وكتبوا عريضة أكدوا فيها أن تعيين السيد دارامون كان بدعة خطيرة تتعارض مع ما جرت عليه العادة في القدس، ولذلك فلا بد من إلغائه.
قال واضعو العريضة: ( إن بلدنا محل أنظار الكافرين إذ حل سعيهم وعملهم عليها ومع ذلك قرب الأسكلة ( أي ميناء يافا ) على ثماني ساعات  ونحن نخشى من جلب أناس آخرين غيره بدسائس يعملها المذكور مع ما عندنا منهم الآن. ونخاف من الاستيلاء علينا بسبب ذلك كما حصل في الزمن السابق مرارًا).
استجاب السلطان إلى مطالب السكان ووجهاء المدينة، وما لبث التعيين أن ألغى وطرد القنصل. وفيما يلي النص الكامل للوثيقة المرفوعة إلى السلطان:وفي سنة 1690 صدر فرمان سلطاني بتمكين رهبان اللاتين الكاثوليك في القدس من الاستيلاء على الأماكن المقدسة، والذي اعتبر وثيقة لها أهميتها ومرجعًا لجميع الاتفاقيات والمؤتمرات التي تناولت موضوع الأماكن المقدسة وحقوق الطوائف فيها بالبحث.
ويتبين من هذا كله كيف كانت للتطورات الدولية أثرها المباشر في المدينة المقدسة، وكيف أن الأمور كانت كثيرًا ما تتعقد وتشتد الخلافات بين الطوائف المختلفة من الروم واللاتين والأرمن وتتحول إلى مصادمات عنيفة، وحدث هذا عدة مرات في القرن السابع عشر، وعلى سبيل المثال ما حدث سنة 1661و1669و1674م.
وقد كتب هنري موندريل القسيس الإنجليزي الذي زار القدس سنة 1697 م في هذا الشأن (والشيء الذي كان على الدوام الجائزة الكبرى التي تتنافس عليها طوائف عدة، إنما هو السيطرة على القبر المقدس والاستيلاء عليه، وهو امتياز يتقاتلون عليه بكثير من الضراوة والعداء المنافيين للمسيحية، وخصوصًا اليونان واللاتين حتى أنهم في نزاعهم حول أي فريق منهم يدخل للاحتفال بالقداس يلجئون أحيانًا إلى تسديد الضربات والجروح، حتى عند باب القبر المقدس ذاته).

( نص الوثيقة )
الحمد لله الذي وفق لسلوك منهاج العدالة من اختاره من العباد والصلاة والسلام على النبي الهادي المبين لسبيل الرشاد وآله وصحبه أولي العزم والسداد. وبعد فإن قطان البيت المقدس الشريف والمعبد الأسني المنيف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من العلماء والأشراف والخطباء والأئمة الصلحا والفقراء المجاورين وساير أهالي البيت المقدس من العامة والخاصة قايمين على أقدام الابتهال رافعين أكف الضراعة والسؤال بدوام أيام السلطان العالم ملك الملوك على خليقته من بني آدم خاقان البحرين وخادم الحرمين الشريفين وحامي البيت المقدس جامع كلمة الإيمان واسطة عقد الخلافة بالنص والبرهان مولانا السلطان مصطفي خان بن السلطان محمد خان خلد الله ملكه وسلطانه وأيد أركان دولته الشريفة بالنصر المبين إلى يوم الدين ينهون أنه لما ورد إليهم ديرمون القنصل ببرأة خاقانية من مضمونها أننا رفعنا القنصل لامبرور ووضعنا مكانه ديرمون والحال أن المرفوع لم يعد له مكوث ولا لأحد من القناصل قبله عندنا من زمن الفتح العمري والصلاحي وإلى الآن، ومن مضمونها أنه يعامل معاملة بيكاوات المسلمين وأن مراده الركوب ويتقلد بالسلاح، فقوبلت البرأة بالقيد بالسجل المحفوظ إطاعة لأمر مبديها نصره الله تعالى، فاجتمع العلماء والصلحا والأبيك السباهية والزعما وأرباب التيمار ودزدار القلعة المحفوظة والنيكرجية الخاصة والعامة بالمسجد الأقصى الشريف بقبة السلسلة المعروفة بمحكمة داود على نبينا وعليه السلام وأعرضوا حالهم على قاضي الشرع الشريف المولى شريف أفندي وحاكم الولاية عوض باشا بأن مكوث هذا القنصل على هذه الهيئة والصنعة التي يباشرها مخالفة لما نصت عليه المذاهب الأربعة وما شرطه الإمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين فتح بلادنا عنوة المبين ذلك في كتاب التاريخ والعلماء الأبرار والمحققين الأخيار مع بغية الشروط عليهم، فإنه لم يعهد من زمن سيدنا الإمام عمر ومن بعده الخلفاء الراشدين ومن بعده ومن بعد الخلفاء ومن جاء بعدهم من دولة آل عثمان أجدادك الماضين تغمد الله الجميع بالرحمة والرضوان وأسكنهم فراديس الجنان إلا رهبان معينين في القدس الشريف وخارجها كما شرط الإمام عليهم فيما عهد إليهم. فإن أقام عندنا هذا القنصل المزبور وركب الخيل وتقلد بالسلاح يلزم من مفسدة عظيمة لا سيما أن بلدتنا محل أنظار الكافرين دمرهم الله أجمعين إذ حل سعيهم وعملهم عليها كما لا يخفى سدة سعادتكم العلية، ومع ذلك قرب الاسكلة المينا على ثماني ساعات. ونحن نخشى من جلب أناس آخرين غيره بدسائس يعلمها المذكور مع ما عندنا منهم الآن ونخاف من الاستيلاء علينا بسبب ذلك كما حصل في الزمن السابق مرارًا . فجناب المولى بالقدس الشريف والوالي أنعما علينا بعرضين مضمونهما ما سبق وأمراه بالخروج من بين أظهرنا طبقًا للشريعة المطهرة ولعدم التنصيص بسكناه عندنا واحترامًا لهذه البقاع الشريفة من حلول الأدناس بها إلى مدينة صيدا مكان القنصل الأول المقام مكانه لكون أن قبله من القناصل من قديم الأيام ومرور الشهور والأعوام إقامتهم بصيدا. فالمرتجا من الصدقات السلطانية والمراحم العليا الخاقانية رحمة منكم وشفقة على سكان هذا البيت المقدس وتطيرًا لمراقد الأنبياء العظام أمرًا شريفًا سلطانيًا يدفعه عن المكوث في هذه الديار ليتضاعف لحضرتكم الأجر من رب البرية والأمر أمركم.. أيد الله دولتكم العلية مدى الدوام بجاه خير الأنام وآله وصحبه الكرام).
أما على صعيد العلاقات الدولية للدولة العثمانية، ففي إبان حكم السلطان مراد الرابع في الفترة (1622-1639) تردت العلاقات بين الدولة العثمانية وفرنسا على إثر طرده لليسوعيين من استنبول بتحريض من السفير البريطاني والهولندي سنة 1628، ثم أصدر السلطان مراد الرابع سنة 1634 ثلاثة فرمانات سلطانية منحت الروم حق التصدر والتقدم على اللاتين في الاحتفالات الدينية في القبر المقدس (كنيسة القيامة) وأماكن ملك فرنسا والبابا أوربانوس الثامن حتى صدر جديد سنة 1636 يؤيد حقوق اللاتين.
وفي عام 1670 تقدم سفير فرنسا لدى الباب العالي يطلب تجديد الامتيازات على أساس مشروع فرمان ينص في مطلعه على الاعتراف بملك فرنسا حاميًا للمسيحية في بلاد الدولة العثمانية على أن تشمل الحماية الفرنسية أبناء الدولة العثمانية من المسيحيين الكاثوليك، وأن يتعرف بما تخططه فرنسا من حقوق للاتين والروم الأرثوذكس وغيرهم من الطوائف المسيحية في بيت المقدس وبيت لحم. ودارت في هذا الصدد مفاوضات طويلة بين الصدر الأعظم وسفير فرنسا مسيو نوينتل M.De.Nointel انتهت برفض الباب العالي التوسع في امتيازات الحماية الفرنسية وقصرها على الكاثوليك اللاتين.وفي عام 1673 تمكنت فرنسا من استغلال الصعوبات التي كانت تعترض الدولة العثمانية بفرض نسخة جديدة من الامتيازات الأجنبية وتأكيد دورها
( كحامية للكاثوليك ).
وفي عام 1676 أرغمت بولندا الحكومة العثمانية على إثر معاهدة عقدتها مع الباب العالي على إعادة الفرنسيسكان إلى القبر المقدس.
أما في السنوات الأخيرة من القرن السابع عشر، كانت الدولة العثمانية في حالة حرب مع كل من النمسا وبلاد فارس، وأسفرت الحروب مع النمسا عن خسائر فادحة مني بها الجيش العثماني أمام أسوار فينيا VIENNA سنة 1683، كما اشتركت روسيا والنمسا وبولندا والبندقية في حربها ضد الدولة العثمانية في الفترة (1683  1689)، والتي أسفرت بعد الهزائم العسكرية للدولة العثمانية على عقد صلح أطلق عليه اسم كارلوفيتزKARLOVITZ سنة 1689، والذي نتج عنه خسائر فادحة وكبيرة في مواقع الدولة العثمانية سواء في البلقان أو جنوبي روسيا، كما حصلت النمسا بموجبه على حق تمثيل المصالح المسيحية فيما يتعلق بالأماكن المقدسة في القدس.
وفي سنة 1690 صدر فرمان سلطاني بتمكين رهبان اللاتين الكاثوليك في القدس من الاستيلاء على الأماكن المقدسة، والذي اعتبر وثيقة لها أهميتها ومرجعًا لجميع الاتفاقيات والمؤتمرات التي تناولت موضوع الأماكن المقدسة وحقوق الطوائف فيها بالبحث.
ويتبين من هذا كله كيف كانت للتطورات الدولية أثرها المباشر في المدينة المقدسة، وكيف أن الأمور كانت كثيرًا ما تتعقد وتشتد الخلافات بين الطوائف المختلفة من الروم واللاتين والأرمن وتتحول إلى مصادمات عنيفة، وحدث هذا عدة مرات في القرن السابع عشر، وعلى سبيل المثال ما حدث سنة 1661و1669و1674م.
وقد كتب هنري موندريل القسيس الإنجليزي الذي زار القدس سنة 1697 م في هذا الشأن (والشيء الذي كان على الدوام الجائزة الكبرى التي تتنافس عليها طوائف عدة، إنما هو السيطرة على القبر المقدس والاستيلاء عليه، وهو امتياز يتقاتلون عليه بكثير من الضراوة والعداء المنافيين للمسيحية، وخصوصًا اليونان واللاتين حتى أنهم في نزاعهم حول أي فريق منهم يدخل للاحتفال بالقداس يلجئون أحيانًا إلى تسديد الضربات والجروح، حتى عند باب القبر المقدس ذاته).

القدس خلال القرن الثامن عشر

كشفت الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة عن بعض الجوانب الخاصة والمميزة بالمدينة المقدسة خلال القرن الثامن عشر نذكر أهم جوانبها :
 الأوضاع الثقافية :
دلت المصادر التاريخية على زيادة عدد العلماء في القدس في القرن السابع عشر، فقد ذكر حسن عبد اللطيف الحسيني في تراجم أهل القدس في القرن الثاني عشر للهجرة، أسماء 74 عالمًا في المدينة، منهم العالم محمد الخليلي الذي توفى عام 1734، والعالم محمد بن بدير الذي عاش في الفترة (1747-1805)، وكلاهما من رجال التصوف المشهورين، وقد دلت الدراسات على أن معظم علماء القدس وفلسطين في القرن الثامن عشر تلقوا تعليمهم العالي في مصر وخصوصًا في جامع الأزهر أو في دمشق واستنبول، وكان هناك عدد كبير من المكتبات الخاصة العائدة لعلماء المدينة.
وفي تلك الحقبة الزمنية كانت مدينة القدس لا تزال تجتذب العلماء من الأقطار المختلفة، ومن بين زوارها أو من أقاموا فيها العالم عبد الغني النابلسي ومصطفى البكري من دمشق ومصطفى أسعد اللقيمي من دمياط وعلى الخلفاوي من القاهرة.
وعلى الرغم من زيادة عدد العلماء في المدينة في تلك الفترة، إلا أن المدارس كانت في حالة تدهور وانهيار، والطلاب الذين كانوا يطلبون التعليم العالي كان يتحتم عليهم السفر إلى خارج البلاد، وبعد أن كان ما يقرب من 56 مدرسة قائمة في العصر الأيوبي، لم يبق منها في أواسط القرن الثامن عشر إلا 35 مدرسة لا غير، وفي نهاية القرن تناقص العدد كثيرًا.
 الأوضاع الاقتصادية:
كان سكان مدينة القدس خلال القرن الثامن عشر يعتمدون على موارد خاصة ومميزة بمدينتهم لوضعها القدسي المميز، ومن أهم هذه الموارد:
أ  إيرادات الأوقاف:
على الرغم من أن إيرادات الأوقاف كانت تعتبر أهم مورد اقتصادي للمدينة وأهلها، إلا أن أهم ما تميز به القرن الثامن عشر هو تسارع عملية انقراض الأوقاف في المدينة على الرغم من فرضية دوام الأوقاف أبد الدهر.
أما سب انقراضها فهو يرجع إما لانعدام الصيانة لمباني الأوقاف، أو بفعل عوامل الفساد واللجوء إلى أساليب قانونية مختلفة أدت إلى تجزئة الأوقاف أو انتقال ملكيتها إلى الآخرين وذلك إما عن طريق الإجارة الطويلة لعقارات أو استبدال هذه العقارات بالمال النقدي أو بيعها.
وكانت أكثر التدابير شيوعًا لإنشاء حقوق خاصة في أموال الوقف هو الإجراء المعروف بالخلو الذي يسمح بموجبه للمستأجر أن يعمر الوقف ليصبح ما أنفقه عليه حقًا مكتسبًا له تجاه هذا الوقف. كما كانت عملية الإجارة الطويلة للأوقاف تؤدي في الواقع إلى اغتصابها أو انتقالها إلى غير المسلمين.
وقد أعرب الشيخ محمد الخليلي في وقفيته المؤرخة سنة 1726 عن صدمته وألمه لانتقال أموال الأوقاف إلى الغرباء، مؤكدًا ما يحمله هذا الانتقال من علامات الخطر لمدينة القدس.
ب  المنح الحكومية والخاصة:
نظرًا لقداسة المدينة اعتمد سكانها في معيشتهم بالإضافة إلى واردات الأوقاف على الإيرادات التي تولدها الدوافع الدينية إلى حد كبير، فقد كان أهل القدس يتلقون منحًا مالية من جهات مختلفة. فالحكومتان العثمانية والمصرية كانتا ترسلان منحًا سنوية تعرف باسم ( الصرة ) ليتم توزيعها وفق قوائم خاصة على عدد كبير من الفقراء وغيرهم.
أما بالنسبة للاجئين اليهود وقد ازدادت أعدادهم في القدس خلال القرن الثامن عشر خاصة بعد وصول بضع مئات من اليهود الحسيديم القادمين من بولونيا سنة 1777م، الأمر الذي دفع بالجاليات اليهودية في أوروبا ومصر وغيرهما إلى جمع وإرسال المساعدات الخيرية إلى القدس وكذلك أرسل ملوك أوروبا وخاصة ملك أسبانيا مبالغ كبيرة من الأموال إلى الفرنسيسكان في القدس.
ج  الدخل من الحجاج :
وكان هذا المصدر هامًا وآخر لدخل أهل المدينة، فقد كان من عادة الحجاج المسيحيين أن يمكثوا في مدينة القدس خمسة أو ستة أشهر كل عام، وبالتالي كانوا ينفقون مبالغ كبيرة في المدينة، ومع أن عدد الحجاج الأوروبيين تناقص بشكل كبير في القرن الثامن عشر ويرجع السبب في ذلك إلى ازدياد أنصار العلمانية في أوروبا، إلا أن الأمر كان مختلفًا بالنسبة للمسيحيين الشرقيين الذين بلغ عددهم سنة 1784 ألفي حاج.
د  الدخل الوارد من صناعة أدوات التعبد وتصديرها :
اشتهر أهل القدس بصناعة أدوات التعبد من المسابح والصلبان وغيرهما من الأدوات، فكان لهذا المصدر من الدخل أهمية كبيرة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، كما كان يصدر من هذه الأدوات كالمسابح والصلبان وذخائر القديسيين 300 صندوق سنويًا إلى تركيا وإيطاليا والبرتغال وأسبانيا بشكل خاص.


Brak komentarzy:

Prześlij komentarz