ثالثًا : التطور الاقتصادي
إن أرقام التعداد السكاني لعامي 1871-1872 تعتمد على دفاتر سلنام ولاية سوريا، وأرقام التعداد للأعوام 1881-1893 والتي تشمل كافة قضاء القدس بما فيه المدينة تعتمد على الإحصاء الذي تم فعليا على السكان، أما أرقام التعداد لعام 1914 فهي تعتمد على الإحصاءات السكانية لوزارة الداخلية العثمانية.
لكن الإحصاءات العثمانية وحسب الجدول السابق تعتمد على تعداد سكان ومواطني الدولة فقط، في حين كانت هناك أعداد كبيرة من اللاجئين اليهود وبعض رعايا الدول الأخرى من الأجانب لم يتم إحصاؤهم.
وعلى الرغم من صدور قانون 1882 الذي يحرم هجرة اليهود إلى فلسطين وشراءهم الأراضي فيها بعد أن تفاقم أمر هجرتهم إلى فلسطين بقصد الاستيطان فيها، فقد دلت إحصاءات عثمانية تمت في عامي 1895-1899 بوجود ما يقارب 5500 أجنبي في كامل سنجق القدس، أكثرهم من اللاجئين اليهود الذين ازدادت أعدادهم كثيرًا خلال العقدين السابقين للحرب العالمية الأولى، وذلك من خلال استغلالهم للأوامر السلطانية الصادرة عام 1900م إلى متصرف القدس، والتي تقضي بالسماح لليهود إلى مدينة القدس والإقامة فيها بصورة غير مشروعة، وذلك لفساد الإدارة العثمانية وتفشى الرشوة بين موظفيها.
وهكذا يتضح لنا من خلال الإحصاءات العثمانية لمواطني القدس أن النمو السكاني المضطرد الذي شهدته المدينة في أواخر القرن التاسع عشر إضافة إلى ازدياد أعداد المهاجرين إليها من اليهود جعلها عشية الحرب العالمية الأولى من أكبر مدن فلسطين من حيث التعداد السكاني بالإضافة إلى النواحي الحضارية الأخرى.
فقد راجت أعمال الكلاسين (صناع الجير) ودقاقين الحجارة رواجًا شديدًا، وفي كل يوم كانت تتحرك قوافل كاملة من الجمال المحملة بالجير والأحجار والخشب إلى مدينة القدس. وكان الأمر في البداية يقضي بجلب المعماريين ودقاقين الحجارة من خارج فلسطين كما حدث عند بناء كنيسة المسيح، حيث جلب هؤلاء من مالطا، لكن ما أن بدأت أعمال البناء والتعمير بالرواج في أعوام الستينيات حتى أصبحت تتوفر هذه المهارات محليًا وخصوصًا من مدينتي بيت لحم وبيت جالا القريبتين من القدس. فقد نشأ فيها تخصص حرفي لتلبية متطلبات مهنة البناء خاصة وأن العاملين في تلك المهنة كانوا يتقاضون أجورًا جيدة.
وفيما عدا النشاط العمراني للمدينة وما صحبه من إنفاق، فإن المدينة عاشت في معظمها على الموارد الدينية سواء من إنفاق المؤسسات التبشيرية، أو من قدوم الحجاج وزيارتهم للمدينة وما صحبه من تأمين للخدمات والسلع المختلفة.في بادئ الأمر عمل رئيس بلدية القدس آنذاك يوسف الخالدي على تشغيل عربات نقل عادية للخدمة على الشارع الجديد، لكن في عام 1875 تمكن فرسان المعبد من تأسيس أول شركة نقل لتسيير رحلات يومية منتظمة بين يافا والقدس. وفي عام 1879 تمكنوا من الحصول على امتياز حكومي لعملهم هذا فقدوا منافسة العرب واليهود لهم.وبتاريخ 7 من ذي الحجة سنة 1293هـ/1876م وبتأثير من الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) مدحت باشا أعلن السلطان عبد الحميد الثاني القانون الأساسي للدولة (الدستور) الذي بموجبه منح الشعب حرية القول والعمل والاجتماع، كما أمر السلطان عبد الحميد الثاني بانتخاب مجلس العموم والمؤلف من مجلسين، وهما الأعيان ومجلس المبعوثان (النواب).
إلا أن البلاد العثمانية لم تنعم بهذه الحرية زمنًا طويلاً، إذا لم ينقض سنتان على نشر الدستور إلا وقام السلطان عبد الحميد الثاني متذرعًا بإعلان روسيا الحرب على بلاده سنة 1877 بإصدار قانون يعطل العمل بالدستور، وفي سنة 1878 حل البرلمان وأغلق (ضولمة باغجة) التي كان يجتمع فيها مجلس المبعوثين، وعمل على مناوئة كافة الجهود الوطنية للإصلاح، ونفى مدحت باشا إلى خارج البلاد وكان ذلك لثبات اعتقاده وإيمانه بوجوب الحكم المطلق في يده، فراح يدير ويحكم البلاد وفق إرادته الشخصية مما دفع البلاد إلى عهد جديد من الطغيان وسواء استغلال السلطة وفسادها.
لكن سوء الأوضاع في البلاد العثمانية دفع ببعض المثقفين الأتراك لتأليف جمعية الاتحاد والترقي التي دعت إلى إقامة حكومة دستورية تدخل النظم الحديثة في الإدارة والجيش، وتحقق الحرية والمساواة وتوقف تدخل الدول الأوروبية في شئون الدولة العثمانية. وعمل أعضاء هذه الجمعية على نشر الدعوة سرًا بين قوات الجيش الذي انضم أغلبه إليها.
وفي العام 1876م أطاح السلطان مراد الخامس بن عبد المجيد بعمه السلطان عبد العزيز ليقوم مقامه، لكنه لم يلبث على عرش السلطنة أكثر من بضعة أيام لكونه مصابًا بمرض الصرع، وبتاريخ 31 آب 1876م نودي بأخيه الأصغر منه عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد سلطانًا على البلاد.
عند تولى السلطان عبد الحميد الثاني حكم السلطنة وجد البلاد تعاني من ضائقة مالية شديدة، والخزانة العامة خاوية أدت إلى إشهار إفلاسها سنة 1875م وانعكس ذلك على وضعها العسكري مما هدد كيانها ووجودها، في حين كانت روسيا تهدد بالحرب وأوربا تظهر العداء والعنت الصريحين للعثمانيين.
كل ذلك دفع العثمانيين إلى زيادة الاهتمام بالولايات السورية ومن جملتها فلسطين لزيادة فاعلية وضعهم المالي والعسكري عن طريق فرض الضرائب العادية منها وغير العادية، وكانت عمليات جمع الضرائب هي المحك لكفاءة وقدرة الحاكم، ولم يكن يقبل أي عذر لأي فشل أو إهمال في هذا الشأن، كما كان يترتب على سكان السناجق تقديم كميات من المؤن (الذخائر) إلى الوالي وجنده، وكان عدم الامتثال لذلك يواجه بعقوبات قاسية جدًا، هذا إضافة إلى تكثيف عمليات التجنيد الإجباري التي كانت تتم في المناطق دون هوادة، مما دفع البلاد إلى مزيد من الفوضى والفساد وتنامي روح الثورة ضد الجور والظلم.
رابعًا: تطور الاتصالات
شهدت مدينة القدس في أعوام الستينيات من القرن التاسع عشر تقدمًا وتطورًا واضحين في وسائل الاتصال من تلغراف وإنشاء وتعبيد لطرق جديدة تصل المدينة المقدسة بباقي المدن الفلسطينية.
ففي شهر آب من عام 1864 وصل خط التلغراف إلى مدينة يافا ومنه وصل الخط إلى مدينة القدس في شهر حزيران من عام 1865م، وهكذا أصبحت مدينة القدس مربوطة بالتلغراف مع كل من القسطنطينية والقاهرة، ومن خلالهم إلى العواصم الأوروبية المختلفة، هذا الاتصال بالعالم الخارجي من خلال التلغراف كان له أهمية كبرى للمدينة خاصة بعد انفصالها عن دمشق عام 1874 واتخاذها صفة الاستقلالية، واتصالها مباشرة بالقسطنطينية.
أما عن إنشاء وتعبيد الطرق الواصلة للمدينة، ففي عام 1867 بدأت السلطات العثمانية بإنشاء وتعبيد أول طريق بين يافا والقدس عن طريق أعمال السخرة وتحت إشراف المهندس الإيطالي بيروتي PIEROTTI ، وتم فتح الطريق للسير عليه سنة 1867م. وفي عام 1870م تم تعبيد الطريق الواصل بين القدس ونابلس إلا أن تعبيد الطريق الواصل بين يافا والقدس لم يكن بالعامل المؤثر في ازدياد التبادل التجاري مع المركز التجاري لمدينة القدس، وإنما كان عاملاً مساعدًا في تسهيل عمليات السفر والانتقال من وإلى المدينة.
وفي 3 تموز سنة 1908م تم إعلان الثورة على الحكومة مطالبين بإسقاطها الأمر الذي أجبر السلطان عبد الحميد بتاريخ 25/7/1908م على معاودة إعلان العمل بدستور 1876 بعد تعطيله مدة إحدى وثلاثين سنة وإطلاق الحريات العامة.كما عملت على الاستمرار في سياسة الانفتاح التي اتبعها محمد علي باشا وولده إبراهيم باشا في المدينة المقدسة والتي لم يعد بإمكان العثمانيين التراجع عنها، وكذلك ازدياد الاهتمام والصراع الأوروبي الغربي فيما بينها لبسط نفوذها في المنطقة بحجة الأقليات الدينية التابعة لها من خلال فتح قنصليات جديدة في القدس في عهد السلطان عبد الحميد، غير تلك التي فتحها في عهد سلفه السلطان عبد المجيد، ففي عام 1885 بدأ قنصل ألمانيا بالعمل في القدس بصفته مندوبًا عن إمبراطور ألمانيا وملك بروسيا، وفي عام 1886 اعترفت الحكومة التركية بوجود ملحق تجاري في القدس لدولة العجم (إيران) وفي عام 1888 اعترفت أيضًا بوجود قنصل روسي يحمي المصالح الروسية في القدس.أولاً: النمو السكاني
إن الإحصاءات العثمانية للتعداد السكاني لمدينة وقضاء القدس بين عامي 1871-1914 يبينها الجدول التالي:
إجمالي العدد
|
اليهود
|
المسيحيون
|
المسلمون
|
السنة
|
الموقع
|
14.358
|
3.780
|
4.428
|
6.150
|
1871-1872
|
مدينة القدس
|
81.059
|
7.105
|
19.950
|
54.364
|
1881-1893
|
قضاء القدس
|
120.921
|
18.190
|
32.461
|
70.270
|
1914
|
قضاء القدس
|
كان القنصل المعين عند وصوله إلى مدينة القدس عليه أن يقدم أوراق اعتماده إلى المتصرف والنائب، مرفقًا بها رسالة توصية من ولاة الأمر في الأستانة تشتمل على اسمه واسم سلفه والمدة التي سيمكثها في القدس، وصلاحياته تجاه رعاياه والامتيازات التي يتمتع بها، مع الطلب بأخذ جميع التدابير اللازمة لحمايته.
أما النمو والتوسع الحضاري الذي شهدته المدينة فيتمثل في الأوجه التالية:
وبعد بضعة أشهر وبالتحديد بتاريخ 13/4/1909م حاول السلطان عبد الحميد الثاني القيام بثورة مضادة للتخلص من الجمعية ومن الدستور ومن مجلس المبعوثين، عندئذ زحف الجيش من سالونيك إلى الأستانة وأعاد إلى جمعية الاتحاد والترقي نفوذها، فعمل أعضاؤها على إسقاط السلطان عبد الحميد عن عرشه وأقاموا مقامه أخاه محمد رشاد سلطانًا باسم محمد الخامس في 17/4/1909م.
رابعًا – القدس في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909):
على الرغم مما شهدته مختلف البلاد العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني من تراجع حضاري واضح، وتدهور كبير في أوضاعها الاقتصادية والأمنية إلا أن مدينة القدس تميزت عن باقي المدن الفلسطينية والولايات السورية باستمرار نموها وتطورها الحضاري الناجم عن السياسة العثمانية التي عمدت خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر على تأكيد أهمية سنجق القدس بفصله عن ولاية الشام وارتباطه مباشرة بالأستانة عام 1847، ومحاولة السلطات العثمانية دعم وتثبيت وجودها الإداري في فلسطين قبالة الحكم المصري السابق من ناحية، وبشكل أقوى وأكبر أمام الدول الأوروبية من ناحية ثانية.
إن أرقام التعداد السكاني لعامي 1871-1872 تعتمد على دفاتر سلنام ولاية سوريا، وأرقام التعداد للأعوام 1881-1893 والتي تشمل كافة قضاء القدس بما فيه المدينة تعتمد على الإحصاء الذي تم فعليا على السكان، أما أرقام التعداد لعام 1914 فهي تعتمد على الإحصاءات السكانية لوزارة الداخلية العثمانية.
لكن الإحصاءات العثمانية وحسب الجدول السابق تعتمد على تعداد سكان ومواطني الدولة فقط، في حين كانت هناك أعداد كبيرة من اللاجئين اليهود وبعض رعايا الدول الأخرى من الأجانب لم يتم إحصاؤهم.
وعلى الرغم من صدور قانون 1882 الذي يحرم هجرة اليهود إلى فلسطين وشراءهم الأراضي فيها بعد أن تفاقم أمر هجرتهم إلى فلسطين بقصد الاستيطان فيها، فقد دلت إحصاءات عثمانية تمت في عامي 1895-1899 بوجود ما يقارب 5500 أجنبي في كامل سنجق القدس، أكثرهم من اللاجئين اليهود الذين ازدادت أعدادهم كثيرًا خلال العقدين السابقين للحرب العالمية الأولى، وذلك من خلال استغلالهم للأوامر السلطانية الصادرة عام 1900م إلى متصرف القدس، والتي تقضي بالسماح لليهود إلى مدينة القدس والإقامة فيها بصورة غير مشروعة، وذلك لفساد الإدارة العثمانية وتفشى الرشوة بين موظفيها.
وهكذا يتضح لنا من خلال الإحصاءات العثمانية لمواطني القدس أن النمو السكاني المضطرد الذي شهدته المدينة في أواخر القرن التاسع عشر إضافة إلى ازدياد أعداد المهاجرين إليها من اليهود جعلها عشية الحرب العالمية الأولى من أكبر مدن فلسطين من حيث التعداد السكاني بالإضافة إلى النواحي الحضارية الأخرى.
Brak komentarzy:
Prześlij komentarz