وقد وصف المدينة في هذا العصر (في أيام العزيز بالله الفاطمي سنة 380هـ) ابنها الرحالة شمس الدين المقدسي، فكال لها الثناء والمدح كيلا، وكشف عن بعض العيوب فيها، فقال : (بيت المقدس ليس في مدائن الكور أكبر منها، وقصبات كثيرة أصغر منها كإصطخر وقاين والفرما، لا شديدة البرد وليس بها حر، وقل ما يقع بها ثلج. وسألني القاضي أبو القاسم ابن قاضي الحرمين عن الهواء فقلت : سجسج لا حر ولا برد شديد. قال : هذه صفة الجنة.
(بنيانهم حجر لا ترى أحسن منه، ولا أتقن من بنائها، ولا أعف من أهلها، ولا أطيب من العيش بها، ولا أنظف من أسواقها، ولا أكبر من مسجدها، ولا أكثر من مشاهدها، عنبها خطير، وليس لمعنقتها نظير، وفيها كل حاذق وطبيب، وإليها قلب كل لبيب، ولا تخلو كل يوم من غريب.
ثم حكى قائلاً : (كنت يومًا في مجلس القاضي المختار أبى يحيى بن بهرام بالبصرة، فجرى ذكر مصر، إلى أن سئلت : أي بلد أجل ؟ قلت : بلدنا. قيل : فأيها أطيب ؟ قلت : بلدنا. قيل : فأيها أفضل ؟ قلت : بلدنا. قيل : فأيها أحسن ؟ قلت : بلدنا. قيل : فأيها أكثر خيرات ؟ قلت : بلدنا قيل فأيها أكبر: قلت بلدنا. فتعجب أهل المجلس من ذلك، وقيل أنت رجل محصل، وقد ادعيت ما لا يقبل منك. قلت : أما قولي أجل، فلأنها بلدة جمعت الدنيا والآخرة، فمن كان من أبناء الدنيا وأراد الآخرة وجد سوقها، ومن كان من أبناء الآخرة فدعته نفسه إلى نعمة الدنيا وجدها، وأما طيب الهواء فإنه لا سمَّ لبردها، ولا أذى لحرها، وأما الحسن فلا ترى أحسن من بنيانها ولا أنظف منها ولا أنزه من مسجدها، وأما كثرة الخيرات فقد جمع الله تعالى فيها فواكه الأغوار والسهل والجبال والأشياء المتضادة كالأترج واللوز والرطب والجوز والتين والموز، وأما الفضل فلأنها عرصة القيامة ومنها المحشر وإليها المنشر، وإنما فضلت مكة والمدينة بالكعبة ـ والنبي صلى الله عليه وسلم ـ ويوم القيامة تزفان إليها، فتحوى الفضل كله، وأما الكبر فالخلائق كلهم يحشرون إليها، فأي ارض أوسع منها ؟ فاستحسنوا ذلك وأقروا به.
وقد سعى الفاطميون إلى دمج القدس في نطاق دعوتهم إلى المذهب الشيعي الباطني للدولة فبثوا فيها (الدعاة) وأنشئوا فيها دارًا علمية لتعليم مذهبهم. ورعوا المسجد الأقصى، واهتموا بعمارته وعلاجه مما يلحقه من اضرار من جراء الزلازل وغيرها.
وصف المسجد الأقصى أيام الفاطميين
سجل لنا الرحالة العظيم شمس الدين المقدسي (336 ـ 380هـ) وصفا دقيقا للمسجد الأقصى في ايام قوة الدولة الفاطمية، حين كان العزيز بالله (حكم 365 ـ 386هـ) متسلطنا باسم الفاطميين، فوصف موقعه، وما في داخل الحرم من الأبنية، واسهب في وصف الأجزاء التي حوتها الأبنية الكثيرة في حرم الأقصى الشريف، واشار إلى شيء من تاريخ المسجد، فقال : (وأما المسجد الأقصى فهو على قرنة البلد الشرقي نحو القبلة، أساسه من عمل داود، طول الحجر عشرة أذرع وأقل، منقوشة موجهة مؤلفة صلبه، وقد بنى عليه عبدالملك بحجارة صغار حسان وشرفوه. وكان أحسن من جامع دمشق، لكن جاءت زلزلة في دولة بني العباس فطرحت المغطى إلا ما حول المحراب.
وبعد أن تحدث عن الإعمار العباسي للمسجد، قال : (وللمغطى ستة وعشرون بابا: باب يقال المحراب يسمى باب النحاس الأعظم مصفح بالصفر المذهب، لا يفتح مصراعه إلا رجل شديد الباع قوي الذراع. عن يمينه سبعة أبواب كبار، في وسطها باب مصفح مذهب، وعلى اليسار مثلهن، ومن نحو الشرق أحد عشر بابا سواذج، وعلى الخمسة عشر رواق على أعمدة رخام أحدثه عبدالله بن طاهر، وعلى الصحن من الميمنة أروقة على أعمدة رخام وأساطين، وعلى المؤخر أروقة آزاج من الحجارة .. والسقوف كلها إلا المؤخر ملبسة بشقاق الرصاص، والمؤخر مرصوف بالفسيفساء الكبار.
وقد وصف المدينة في هذا العصر (في أيام العزيز بالله الفاطمي سنة 380هـ) ابنها الرحالة شمس الدين المقدسي، فكال لها الثناء والمدح كيلا، وكشف عن بعض العيوب فيها، فقال : (بيت المقدس ليس في مدائن الكور أكبر منها، وقصبات كثيرة أصغر منها كإصطخر وقاين والفرما، لا شديدة البرد وليس بها حر، وقل ما يقع بها ثلج. وسألني القاضي أبو القاسم ابن قاضي الحرمين عن الهواء فقلت : سجسج لا حر ولا برد شديد. قال : هذه صفة الجنة.
(بنيانهم حجر لا ترى أحسن منه، ولا أتقن من بنائها، ولا أعف من أهلها، ولا أطيب من العيش بها، ولا أنظف من أسواقها، ولا أكبر من مسجدها، ولا أكثر من مشاهدها، عنبها خطير، وليس لمعنقتها نظير، وفيها كل حاذق وطبيب، وإليها قلب كل لبيب، ولا تخلو كل يوم من غريب.
ثم حكى قائلاً : (كنت يومًا في مجلس القاضي المختار أبى يحيى بن بهرام بالبصرة، فجرى ذكر مصر، إلى أن سئلت : أي بلد أجل ؟ قلت : بلدنا. قيل : فأيها أطيب ؟ قلت : بلدنا. قيل : فأيها أفضل ؟ قلت : بلدنا. قيل : فأيها أحسن ؟ قلت : بلدنا. قيل : فأيها أكثر خيرات ؟ قلت : بلدنا قيل فأيها أكبر: قلت بلدنا. فتعجب أهل المجلس من ذلك، وقيل أنت رجل محصل، وقد ادعيت ما لا يقبل منك. قلت : أما قولي أجل، فلأنها بلدة جمعت الدنيا والآخرة، فمن كان من أبناء الدنيا وأراد الآخرة وجد سوقها، ومن كان من أبناء الآخرة فدعته نفسه إلى نعمة الدنيا وجدها، وأما طيب الهواء فإنه لا سمَّ لبردها، ولا أذى لحرها، وأما الحسن فلا ترى أحسن من بنيانها ولا أنظف منها ولا أنزه من مسجدها، وأما كثرة الخيرات فقد جمع الله تعالى فيها فواكه الأغوار والسهل والجبال والأشياء المتضادة كالأترج واللوز والرطب والجوز والتين والموز، وأما الفضل فلأنها عرصة القيامة ومنها المحشر وإليها المنشر، وإنما فضلت مكة والمدينة بالكعبة ـ والنبي صلى الله عليه وسلم ـ ويوم القيامة تزفان إليها، فتحوى الفضل كله، وأما الكبر فالخلائق كلهم يحشرون إليها، فأي ارض أوسع منها ؟ فاستحسنوا ذلك وأقروا به.
(والصحن كله مبلط وسط دكة .. يصعد إليها من الأربع جوانب في مراق واسعة، وفي الدكة أربع قباب : قبة السلسلة، قبة المعراج، قبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذه الثلاث لطاف ملبسة بالرصاص على أعمدة رخام بلا حيطان، وفي الوسط قبة الصخرة على بيت مثمن بأربعة أبواب، كل باب يقابل مرقاة : باب إسرافيل، باب الصور، باب النساء يفتح إلى الغرب، جميعها مذهبة، في وجه كل واحد باب ظريف من خشب التنوب .. أمرت بهن أم المقتدر وأما عن أبعاد المسجد فيقول المقدسي : (وطول المسجد ألف ذراع بذراع الملك الِباني، وعرضه سبعمائة.
وفي سقوفه من الخشب أربعة آلاف خشبة، وسبعمائة عمود رخام، وعلى السطح خمسة وأربعون ألف شقفة رصاص.
وحجم الصخرة ثلاثة وثلاثون ذراعًا في سبعة وعشرين، والمغارة التي تحتها تَسَعُ تسعا وستين نفسا.
وأما النفقات التي كانت تصرف على المسجد في تلك الأيام، فيقول عنها الرحالة الكبير :
وكانت وظيفته في كل شهر مائة قسط زيت، وفي كل سنة ثمانمائة ألف ذراع، وخدامه مماليك له أقامهم عبدالملك من خمس الأسارى، ولذلك يسمون الأخماس، لا يخدمه غيرهم، ولهم نوب يحفظونها.
وسلوان محلة في ربض المدينة، تحتها عين عذيبية تسقى جنانا عظيمة، أوقفها عثمان بن عفان على ضفاء البلد، تحتها بئر أيوب ..
بالله .. والقبة على عظمها ملبسة بالصفر المذهب ..
(والقبة ثلاث سافات : الأولى من ألواح مزوقة، والثانية من أعمدة الحديد قد شبكت لئلا تميلها الرياح، ثم الثالثة من خشب عليها الصفائح وفي وسطها طريق إلى عند السفود يصعدها الصناع لتفقدها ورمها، فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة وتلألأت المنطقة، ورأيت شيئا عجيبا، وعلى الجملة : لم أر في الإسلام، ولا سمعت أن في الشق مثل هذه القبة.
(ويدخل إلى المسجد من ثلاثة عشر موضعا بعشرين بابا : باب حطة، باب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابواب محراب مريم، باب الرحمة، باب بركة بني إسرائيل، أبواب الأسباط، أبواب الهاشمين، باب الوليد، باب إبراهيم، باب أم خالد، باب داود ..
(وليس على الميسرة أروقة، والمغطى لا يتصل بالحائط الشرقي، ومن أجل هذا يقال لا يتم فيه صف أبدا، وإنما ترك هذا البعض لسببين : أحدهما قول عمر : اتخذوا في غربي هذا المسجد مصلى للمسلمين، فتركت هذه القطعة لئلا يخالف، والثاني أنهم لو مدوا المغطى إلى الزاوية لم تقع الصخرة حذاء المحراب، فكرهوا ذلك ـ والله أعلم.
وأما النفقات التي كانت تصرف على المسجد في تلك الأيام، فيقول عنها الرحالة الكبير :
وكانت وظيفته في كل شهر مائة قسط زيت، وفي كل سنة ثمانمائة ألف ذراع، وخدامه مماليك له أقامهم عبدالملك من خمس الأسارى، ولذلك يسمون الأخماس، لا يخدمه غيرهم، ولهم نوب يحفظونها.
وسلوان محلة في ربض المدينة، تحتها عين عذيبية تسقى جنانا عظيمة، أوقفها عثمان بن عفان على ضفاء البلد، تحتها بئر أيوب ..
ووادي جهنم على قرنة المسجد إلى أخرة قبل الشرق، فيه بساتين وكروم وكنائس ومغاير وصوامع ومقابر وعجائب ومزارع، وسطه كنيسة على قبر مريم، ويشرف عليه مقابر فيها شداد بن أوس الخزرجي وعبادة بن الصامت.
وجبل زيتا مطل على المسجد شرقي هذا الوادي، على رأسه مسجد لعمر نزله أيام فتح البلد، وكنيسة على الموضع الذي صعد منه عيسى ( عليه السلام) وموضع يسمونه الساهرة ..
وحد القدس ما حول إيلياء إلى أربعين ميلا، يدخل في ذلك القصبة ومدنها واثنا عشر ميلا في البحر ومآب وخمسة أميال من البادية ومن قبل القبلة إلى ما وراء الكسيفة وما يحاذيها، ومن قبل الشمال تخوم نابلس.
سجل الفاطميين في القدسوكان في أورشليم كنائس أخرى كثيرة (حينئذ) وكان في وسع الحجاج المسيحيين أن يدخلوا الأماكن المقدسة بكامل حريتهم.
وفي سنة 489هـ، توجه الجيش الفاطمي بقيادة (الأفضل بن بدر الجمالي) من مصر إلى القدس، وحاصرها، مستغلا ضعف السلاجقة بعد هزيمتهم أمام الصليبيين في أنطاكية، وأقام الأفضل بضعة وأربعين منجنيقا على المدينة، وأميرها حينئذ سكمان بن ارتق ومعه أخوه أيلغازي، وجرى القتال أربعين يوما، ولم يحسم الصراع إلا بعد أن تواطأ أهل القدس مع الجيش الفاطمي، ففتحوا له الباب على أن يعطيهم الأمان الكامل في أموالهم وأنفسهم، فأمنهم وأمن سكمان ومن معه وأكرمهم، وترك على المدينة أميرا فاطميا يدعى : افتخار الدولة.
ولم تبق القدس في يد الفاطميين بعدها إلا سنوات قليلة، ولم يرجعوا إليها مرة أخرى أبدا، إذ احتلها الصليبيون سنة 492هـ، وبقيت حتى استردها صلاح الدين سنة 583هـ،
بل إن العزيز بالله ـ والد الحاكم بأمر الله ـ فعل في القدس ما لم يفعله أحد من حكام المسلمين، إذ ولي على عموم فلسطين واليا نصرانيا هو : أبو اليمن قزمان بن مينا الكاتب، لكن هذا الوالي استغل فرصة القتال بين الفاطميين وبعض خصومهم فهرب بمال كثير من أموال الدولة.
القدس في عهد الفاطميين
قامت دولة الفاطميين في تونس في مدينة اسسها عبدالله المهدي واسماها المهدية سنة 296هـ / 909م وكان مطمحهم الكبير في احتلال مصر، وتم لهم ذلك سنة 359هـ969م على يد القائد جوهر الصقلي الذي بنى القاهرة، واتخذها الخليفة الفاطمي المعز لدين الله عاصمة لخلافته سنة 362هـ /973م.
لكن اهتمام الفاطميين لم يقتصر على مصر وحدها، وإنما كانوا يرون في بلاد الشام امتدادا طبيعيا لمصر ومنفذا تجاريا لها. كما كانوا يرون في ضرورة القضاء على من تبقى من الإخشيديين في جنوب بلاد الشام والتي كانت تحت حكمهم وسيطرتهم أمرا ملحا بعد أن تم لهم القضاء عليهم في مصر. فعمل القائد جوهر الصقلي على توجيه حملة في تلك السنة 359هـ/969م لفتح فلسطين والشام. فدخلت مدينة بيت المقدس تحت حكم الفاطميين في عهد العزيز بالله الذي خلف المعز لدين الله الفاطمي سنة 365هـ /975م وهو خامس الخلفاء الفاطميين.
للفاطميين في القدس سجل يشهد برعايتهم لها، واهتمامهم بشأنها، سعيا وراء نشر مذهب الدولة في ربوعها، والترسيخ لتبعيتها للتاج الفاطمي، وكسب مصداقية عند الناس باهتمام الدولة بأماكن المسلمين المقدسة، فقد أنشئوا في القدس دارا علمية مثل دار الحكمة التي أنشئوها في القاهرة لنشر المذهب وتعليمه، واهتموا بمساجد المدينة القديمة، وعلى رأسها بالطبع ـ المسجد الأقصى الذي دهمه زلزال عام 407هـ ( في عهد الحاكم بأمر الله) أصاب قبة الصخرة وسور الحرام بأضرار، وقد كانت الأضرار التي لحقت بالقبة كبيرة، حتى كادت تسقط فقام الظاهر بن الحاكم (حكم 411 ـ 427هـ) بترميم السور والقبة، حتى صارت أفل مما كانت.
وفي سجل الفاطميين في القدس نجد أنهم تسامحوا في معاملة أهل الذمة المقدسيين، إذا استثنيا ما فعله الحاكم بأمر الله من التعسف معهم، وتكليفهم تعليق رموز يهودية ونصرانية ثقيلة على صدورهم، كما منعهم من ركوب الخيل. بل أمر في سنة 398هـ بهدم كنيسة القيامة، وأباح للعامة ما فيها من الأموال والأمتعة وأرغمهم على لبس السواد، ومنعهم من الاحتفال بعيد الشعانين.
إذا استثنينا هذا (الحاكم) الذي لم يكن متزنا فيما يأتي ويترك، ونال المسلمين من الشر والهوان على يديه أضعاف أضعاف ما نال أهل الذمة، حتى كاد يفرض على المصلين أن يقوموا عند ذكر اسمه على المنابر تعظيما له، حتى في الحرمين والمسجد الأقصى ـ إذا استثنينا هذا سنجد أن سمت الفاطميين في معاملة أهل الكتاب هو الرفق والسماحة، حتى أعادوا بأنفسهم بناء كنيسة القيامة (في عهد الحاكم أو ابنه الظاهر).
1 ـ أبو المنصور العزيز بالله : تولى الخلافة (365هـ/975م ـ 386هـ /996م)
دخلت مدينة بيت المقدس تحت السيادة الفاطمية في عهد العزبز بالله، وقد اتبع سياسة حسنة تجاه سكان مدينة بيت المقدس من النصارى واليهود حيث كان قد تزوج من امرأة مسيحية من الطائفة الملكية وكان يحبها كثيرا فاكتسبت نفوذا عنده، وجعل أخويها في مصاف البطاركة واحدا في الإسكندرية والآخر في القدس. كما اقام على فلسطين واليا قبطيا هو أبو اليمن قزمان بن مينا الكاتب.
وفيما يلي وصفا لمدينة بيت المقدس في عهد العزيز بالله كما وصفها المقدسي في كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم الذي وضعه في عهده عام 375هـ /986م قال فيه :
(بيت المقدس ليس في مدائن الكور أكبر منها، وقصبات كثيرة أصغر منها ، لا شديدة البرد وليس بها حر، وقل ما يقع بها ثلج. وسألني القاضي أبو القاسم ابن قاضي الحرمين عن الهواء فقلت : سجسج لا حر ولا برد شديد. قال : هذه صفة الجنة.
(بنيانهم حجر لا ترى أحسن منه، ولا أتقن من بنائها، ولا أعف من أهلها، ولا أطيب من العيش بها، ولا أنظف من أسواقها، ولا أكبر من مسجدها، ولا أكثر من مشاهدها، عنبها خطير، وليس لمعنقتها نظير، وفيها كل حاذق وطبيب، وإليها قلب كل لبيب، ولا تخلو كل يوم من غريب).
إلا أن المقدسي أشار أيضا إلى ما يعتقده أنه من عيوبها في زمانه فقال : (إلا أن لها عيوبا عدة، يقال أن في التورية (التوراة) مكتوب بيت المقدس طشت ذهب ملئ عقارب ثم ل ترى أقذر من حماماتها، ولا أثقل مؤنة، قليلة العلماء كثيرة النصارى وفيهم جفاء، على الرحبة والفنادق ضرائب ثقال على ما يباع، فيها رجالة على الأبواب فلا يمكن أحدا أن يبيع شيئا مما يرتفق به الناس إلا بها، مع قلية يسار، وليس للمظلوم أنصار، والمستور مهموم،والغني محسود، والفقيه مهجور، والأديب غير مشهود، لا مجلس نظر ولا تدريس، قد غلب عليهم النصارى واليهود، وخلا المسجد من الجماعات والمجالس، وهي اصغر من مكة وأكبر من المدينة عليها حصن بعضه على جبل وعلى بقيته خندق ولها ثمانية أبواب حديد باب صهيون باب التيه باب الأسباط باب جب أرميا باب سلوان باب أريحا باب العمود باب محراب داود والماء برك عظيمة بركة بني إسرائيل بركة سليمان بركة عياض ..، غير أنه شديدة العمارة، قد رحل إليها خلق كثير من المشرق والمغرب) وتوفي العزيز بعد أن دام حكمه عشرون سنة.
2 ـ أبو علي المنصور : تولى الخلافة (386هـ / 996م ـ 411هـ / 1020م)2 ـ أبو علي المنصور : تولى الخلافة (386هـ / 996م ـ 411هـ / 1020م)بعد انتهاء المعركة الحاسمة وبينما كان قطز في طريق عودته إلى مصر انحرف مع بعض أصحابه للصيد فقتله بعض خواصه، وقيل إن الظاهر بيبرس البندقداري قتله بيده ومن ثم استولى على الملك من بعده.
ولقد اهتم بعد ذلك كل من السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس والسلطان المنتصر سيف الدين قلاوون وكذلك أبناؤه أيما اهتمام بالقضية، وكانت نهاية الصليبيين على يد الأشرف خليل بن قلاوون والذي أخرج آخر جندي صليبي في الشرق الإسلامي.
القدس في عهد الظاهر بيبرس مؤسس سلطان المماليك:
نبذة تاريخية عن المماليك
المماليك هم طائفة من الأرقاء أو ممن كانوا يؤسرون في الحروب أو يستدعون للخدمة في الجيش وكانوا خليطًا من الأتراك والشراكسة وغيرهم من الأجناس.
يرجع ظهور المماليك في العالم الإسلامي إلى ما قبل قيام دولتهم بمصر بأمد طويل، وكان أول من استخدمهم الخليفة العباسى المأمون خلال فترة حكمه الممتدة بين السنوات 198هـ/ 813م – 218هـ/ 833م، إذ كان في بلاطه بعض المماليك المعتقين ثم الخليفة العباسي المعتصم بالله الذي استخدم فرقًا من الشباب االأتراك في جيشه لتدعيم سلطانه وذلك لقلة ثقته بالعرب ومن ثم أخذ بمبدأ استخدام المماليك ولاة مصر من الطولونيين والإخشيديين والفاطميين ثم الأيوبيين الذين أكثروا من شراء المماليك الترك وألفوا منهم فرقًا عسكرية خاصة.
ولعل اسمهم (المماليك) الذي ينبئ بالعبودية ويستخدم للتعريف بهم والإشارة إلى عهدهم لا يعطي صورة حقيقية لهم، ولا يدل على دورهم الكبير في القضاء على بقايا الفرنجة الصليبيين والوقوف في وجه التتار، ولا يُعرف بدورهم الحضاري الظاهر، حيث يعتبر قيام دولة سلاطين المماليك في منتصف القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي بداية مرحلة جديدة لها طابعها الخاص في تاريخ مصر والشام والذي يتصف بالأمن والاستقرار والثراء والازدهار، خصوصًا بعد سيطرة التتار الوثنيين على بغداد وسقوط الخلافة العباسية فيها، كما أخذت دولة المسلمين في الأندلس في ذلك الوقت بالانحسار سياسيًا وحضاريًا بعد أن اشتدت عليها وطأة الفرنجة.
القدس في عهد السلاجقة الأتراك
السلاجقة أصلهم فئة من الأتراك خرجوا في أواخر القرن العاشر الميلادي من سهول تركستان، اعتنقوا دين الإسلام وتحمسوا له، وأولاهم الخلفاء العباسيون حكم الولايات حتى أصبحوا اسياد دويلات مستقلة، فراحوا يحكمون صوريا باسم الخليفة العباسي وفعليًا باسمهم الخاص.
بدأ حكمهم الفعلي لبلاد العرب بدخول عظيمهم آرطغرل بك مدينة بغداد سنة 447هـ /1055م وكان في بغداد يومئذ الخليفة العباسي القائم بأمر الله فأبقاه، ولكنه قضى على من سواه في الحكم من المتنفيذين والقادة.
نافس السلاجقة الأتراك الفاطميين في بسط السيادة على بلاد الشام حتى تحققت لهم السيطرة على شمالي بلاد الشام، في حين كانت الخلافة الفاطمية تفرض سيطرتها على منطقة جنوبي بلاد الشام وهي فلسطين وأعمالها. وهكذا بدأ الصراع السياسي والتراع العسكري بين السلاجقة الأتراك والفاطميين للسيطرة على فلسطين وخاصة مدينة القدس.
بعد وفاة آرطغرل بك تولي الملك من بعده ابن أخيه ألب أرسلان للفترة (1063 ـ 1072م) وقد تمكن أحد زعماء التركمان وهو أتسز بن أوق الخوارزمي في عام 464هـ /1072م من فتح الرملة وبيت المقدس وأخذهما من الفاطميين. فجعل أتسز الخوارزمي بيت المقدس مركزا لحكمه وأبطل الدعوة للفاطميين وخطب للخليفة العباسي والسلطان السلجوقي.
من بيت المقدس عمل أتسز الخوارزمي على تعبئة قواته للاستيلاء على المدن المجاورة لتوسيع النفوذ السلجوقي في جنوبي بلاد الشام، فتم له الاستيلاء على مدينة عكا 468هـ/1076م وحاصر دمشق عدة مرات حتى تم له فتحها في عهد السلطان ملكشاه في ذات العام، فباتت مدينة القدس على عهده صاحبة النفوذ الأقوى في جنوبي بلاد الشام.
لما توفي العزيز بالله خلفه ولده المنصور أبو علي الملقب بالحاكم بأمر الله.
في بداية حكمه كان معتدلا مع المسيحيين إلا أنه انقلب عليهم وعلى اليهود سنة 398هـ /1007م واتخذ بحقهم إجراءات قاسية وألزمهم أن يحملوا على ثيابهم علامة تميزهم عن المسلمين، وأمر بشد الزنانير ولبس العمائم السود، وألغى أعيادهم وحرم عليهم ضرب الأجراس، وأمر بأن يحمل اليهودي جرسا إذا ما دخل الحمام أما المسيحي فيحمل على صدره صليبا من الخشب، وحرم على المسيحيين واليهود ركوب الخيل وسمح لهم ركوب الحمير أو البغال مشترطا أن تكون سروجها من الخشب.
وفي سنة 399هـ /1008م أمر الحاكم بأمر الله بهدم الكنائس ومنها كنيسة القيامة وقد ذكرت الرواية الكنسية المعاصرة أن الحاكم أصدر أمره بهدم كنيسة القيامة في صورة موجزة إلى والي الرملة بارختكين بقوله : (خرج أمر الإمامة إليك بهدم قيامة فاجعل سماها أرضا وطولها عرضا) فقام بارختكين بتنفيذ الأمر بهدم كنيسة القيامة وسائر ما اشتمل عليه حدودها سنة 400هـ /1009م.
ويعلل المؤرخون الأسباب التي دعت الحاكم بأمر الله لاتخاذ مثل هذا الأمر نحو أهل الذمة للأسباب التالية :
3 ـ الظاهر لإعزاز دين الله : تولى الخلافة (411هـ /1020م ـ 427هـ /1035م)
بعد تولي الظاهر حكم البلاد، جرى في عهده سنة 413هـ /1022م ترميم قبة مسجد الصخرة وكانت مغطاة بالرصاص من الخارج وبالفسيفساء من الداخل، فتم تعميرها على يد علي بن أحمد المنقوش اسمه على الأشخاب الملصقة في صدع الدهليز في رقبة القبة.
وفي سنة 418هـ /1027م عقد الظاهر هدنة مع إمبراطور القسطنطينية الثامن، كان من شروطها أن يطلق الإمبراطور سراح أسرى المسلمين من عنده مقابل أن يمنحه الظاهر الإذن بتجديد عمارة كنيسة القيامة وتعيين بطريرك على القدس، إلا أن فقر المسيحيين المحليين حال دون تمكنم من إتمام بناء الكنيسة.
وفي عهده تم ترميم سور القدس وأخذت الحجارة من العمائر المتهدمة في المدينة نتيجة الزلزال الذي حدث في عهد والده الحاكم بأمر الله.
وفي سنة 425هـ /1034م وقع زلزال آخر في مدينة بيت المقدس كان من نتائجه أن خرب المسجد الأقصى الذي عمره المهدي بن المنصور العباسي خرابا ظاهرا، فعمره الخليفة الظاهر في السنة التالية مبقيا ماأمكن إبقاؤه من البناء السابق، حيث لم يغير الخليفة الفاطمي من تخطيطه العباسي سوى تضيقه من الشرق والغرب بحذف أربعة أروقة من كل جانب فأصبح يكتنف الرواق الأوسط الكبير ثلاثة أروقة فقط من كل جانب، والمعتقد أن القبة الحالية ورقبتها والأبواب السبعة التي في شمال المسجد اليوم هي من صنع الظاهر لإعزاز دين الله، وتحتوي الواجهة الشمالية للعقد الذي يحمل القبة والمحلاة بالفسيفساء الذهبية كتابة بالخط الكوفي تشير إلى ذلك التحديد هذا نصها : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ). جدد عمارته مولانا علي أبو الحسن الإمام الظاهر لإعزاز دين الله أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله).
لما توفي العزيز بالله خلفه ولده المنصور أبو علي الملقب بالحاكم بأمر الله.
في بداية حكمه كان معتدلا مع المسيحيين إلا أنه انقلب عليهم وعلى اليهود سنة 398هـ /1007م واتخذ بحقهم إجراءات قاسية وألزمهم أن يحملوا على ثيابهم علامة تميزهم عن المسلمين، وأمر بشد الزنانير ولبس العمائم السود، وألغى أعيادهم وحرم عليهم ضرب الأجراس، وأمر بأن يحمل اليهودي جرسا إذا ما دخل الحمام أما المسيحي فيحمل على صدره صليبا من الخشب، وحرم على المسيحيين واليهود ركوب الخيل وسمح لهم ركوب الحمير أو البغال مشترطا أن تكون سروجها من الخشب.
وفي سنة 399هـ /1008م أمر الحاكم بأمر الله بهدم الكنائس ومنها كنيسة القيامة وقد ذكرت الرواية الكنسية المعاصرة أن الحاكم أصدر أمره بهدم كنيسة القيامة في صورة موجزة إلى والي الرملة بارختكين بقوله : (خرج أمر الإمامة إليك بهدم قيامة فاجعل سماها أرضا وطولها عرضا) فقام بارختكين بتنفيذ الأمر بهدم كنيسة القيامة وسائر ما اشتمل عليه حدودها سنة 400هـ /10
4 ـ المستنصر بالله : تولى الخلافة (427هـ /1036 ـ 487هـ/1094م)
في زمن الخليفة المستنصر بالله اتسع سلطان الفاطميين وامتد من المغرب العربي ومصر إلى بلاد خراسان وفارس، ثم عاد ليتضائل من جديد. وفي عهده تجددت المعاهدة بين الفاطميين والبيزنطيين، فأجاز المستنصر للإمبراطور ميخائيل الرابع إعادة بناء كنيسة القيامة شريطة أن يسمح له بناء مسجدين للمسلمين في القسطنطينية، وانتهى بناء الكنيسة في سنة 1048م.
كما ذكر مجير الدين الحنبلي في كتابه قائلا : (في سنة 452هـ سقط تنور قبة الصخرة وفيه خمسمائة قنديل، فخاف المقيمون به من المسلمون وقالوا : ليكونن في الإسلام حادث عظيم فكان أخذ الفرنجة له) وفي سنة 458هـ / 166م أمر الخليفة المستنصر بالله بتحديد الواجهة الشمالية للمسجد الأقصى. ويقول الحنبلي أيضا : 0في سنة 460هـ / 1096م زلزلت الأرض في بيت المقدس، فانشقت صخرة بيت المقدس ثم عادت فالتأمت بقدرة الله).
وفي سنة 465هـ /1072م استولى على بيت المقدس والرملة أحد زعماء السلاجقة الأتراك وهو أتسز بن أوق الخوارزمي صاحب دمشق، فأقيمت الدعوة العباسية ببيت المقدس وقطعت دعوة الفاطميين.
الصراع الفاطمي السلجوقي على القدس
أوغل البيت الفاطمي في التشييع، وسلك أوعر سبله، وهو التشيع الباطني الذي يأخذ بتأويل الدين، حتى يخرج به عن مقصوده. وفي المقابل كان الحكام والولاة السلاجقة متحمسين لمذهب أهل السنة، بل تعصب بعضهم تعصبا شديدا ضد المخالفين له.
وحين تتجاور مثل هاتين الدولتين، لابد أن تتنافسا وتتصادما عند مواضع النفوذ والتماس، وقد كانت القدس أحد موضوعات الصراع بين الفريقين، حتى استطاع السلاجقة استخلاصها لأنفسهم سنة 463هـ، أي بعد استيلاء الفاطميين عليها بقرن وأربع سنوات. ففي هذه السنة سار أتسز بن أوق الخوارزمي ـ أحد قواد الملك ألب أرسلان السلجوقي ـ فدخل الشام، وافتتح الرملة، ثم حاصر بيت المقدس، فاستولى عليها من الفاطميين، ثم حاصر دمشقن وخرب الكثير من أنحاء الشام.
ولم يستقر أمر الشام بقية القرن الخامس الهجري، بل ظل القلق وروح الصراع مسيطرين على هذه البلاد، فوقعت حلقات أخرى من القتال بين السلاجقة والفاطميين، تخللتها أعمال عنف وقسوة شديدة. يقول الذهبي : (وفي سنة ثمان وستين وأربعمائة اشتد القحط بالشام، وحاصر أتسز الخوارزمي دمشق، فهرب أميرها الفاطمي المعلي بن حيدرة ـ وكان جبارا عسوفا ـ وولى بعده رزين الدولة انتصار المصمودي. ثم أخذ دمشق أتسزن وأقام الدعوة العباسية، وخافه المصريون (الفاطميون) ثم قصدهم في سنة تسع وستين، وحاصرهم، ولم يبق إلا أن يتملك فتضرع الخلق عند الواعظ الجوهري، فرحل شبه منهزم، وعصى عليه أهل القدس مدة، ثم أخذها وقتل .. وفعل كل قبيح، وضبح قاضي القدس والشهود صبرا).
وكان عند وصف ملك ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي (ت485هـ) واتساعه: ملك من مدينة كاشغر الترك (داخل الصين الآن) إلى بيت المقدس طولا، ومن القسطنطينية وبلاد الخزر إلى بحر الهند عرضا). وهذه مساحة شاسعة جدا من العالم، مثلت القدس وفلسطين عموما حدها الغربي.
القدس في عهد السلاجقة الأتراك
السلاجقة أصلهم فئة من الأتراك خرجوا في أواخر القرن العاشر الميلادي من سهول تركستان، اعتنقوا دين الإسلام وتحمسوا له، وأولاهم الخلفاء العباسيون حكم الولايات حتى أصبحوا اسياد دويلات مستقلة، فراحوا يحكمون صوريا باسم الخليفة العباسي وفعليًا باسمهم الخاص.
بدأ حكمهم الفعلي لبلاد العرب بدخول عظيمهم آرطغرل بك مدينة بغداد سنة 447هـ /1055م وكان في بغداد يومئذ الخليفة العباسي القائم بأمر الله فأبقاه، ولكنه قضى على من سواه في الحكم من المتنفيذين والقادة.
نافس السلاجقة الأتراك الفاطميين في بسط السيادة على بلاد الشام حتى تحققت لهم السيطرة على شمالي بلاد الشام، في حين كانت الخلافة الفاطمية تفرض سيطرتها على منطقة جنوبي بلاد الشام وهي فلسطين وأعمالها. وهكذا بدأ الصراع السياسي والتراع العسكري بين السلاجقة الأتراك والفاطميين للسيطرة على فلسطين وخاصة مدينة القدس.
بعد وفاة آرطغرل بك تولي الملك من بعده ابن أخيه ألب أرسلان للفترة (1063 ـ 1072م) وقد تمكن أحد زعماء التركمان وهو أتسز بن أوق الخوارزمي في عام 464هـ /1072م من فتح الرملة وبيت المقدس وأخذهما من الفاطميين. فجعل أتسز الخوارزمي بيت المقدس مركزا لحكمه وأبطل الدعوة للفاطميين وخطب للخليفة العباسي والسلطان السلجوقي.
من بيت المقدس عمل أتسز الخوارزمي على تعبئة قواته للاستيلاء على المدن المجاورة لتوسيع النفوذ السلجوقي في جنوبي بلاد الشام، فتم له الاستيلاء على مدينة عكا 468هـ/1076م وحاصر دمشق عدة مرات حتى تم له فتحها في عهد السلطان ملكشاه في ذات العام، فباتت مدينة القدس على عهده صاحبة النفوذ الأقوى في جنوبي بلاد الشام.
ونتيجة لانتصاراته بدأ أتسز الخوارزمي في التطلع نحو شمالي بلاد الشام ولكنه عاد وترك أمرها للسلطان ملكشاه، فتوجه نحو مصر محاولا ضمها إلى نفوذه لكن حملته سنة 469هـ/1076 أخفقت وتبعته القوات الفاطمية وهو ينسحب حتى الرملة بفلسطي، لكن أهل فلسطين لم يكونوا مرتاحين إليه بسبب تعسفه وهدره الأرواح إضافة إلى أن بلاد الام ساءت أحوالها الاقتصادية في عهده، مما دفع أهل القدس لانتهاز فرصة هزيمته أمام الفاطمين فثاروا عليه بزعامة القاضي، وحاول أتسز مفاوضتهم ثم قرر محاصرة المدينة واقتحامها فدخلها عنوة وقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص من أهلها.
وفي عام 471هـ /1078م قامت الخلافة الفاطمية بمصر بتوجيه حملة عسكرية بقيادة ناصر الدولة الجيوشي للهجوم على فلسطين، فاحتلت القدس ثم تقدمت نحو دمشق حيث كان أتسز الخوارزمي موجودا، فاتصل بتتش بن ألب أرسلان بحلب مستنجدا به لإنقاذه من الحصار الفاطمي، فتحرك تتش على الفور ودخل دمشق، ولكنه ما لبت أن تخلص من أتسز بقتله وانفرد بالحكم، لكن عهد تتش بن اسلان لم يكن ليختلف كثيرا عن عهد سلفه أتسز الخوارزمي إذ لم يأمل أهل فلسطين منه خيرا.
اقتطع تتش مدينة القدس وأعمالها إلى أحد قادته وهو أرتق بن أكسك التركماني، وحين توفي أرتق بك سنة 484هـ /1091م تولى الأمر من بعده ولديه أيلغازي وسقمان، ولما قتل تتش صاحب دمشق سنة 488هـ /1095م اقتسم ولداه رضوان ودقاق الحكم وصارت فلسطين تتبع الدقاق، لكن الخلاف نشب بين الأخوين مما دفع الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش بمصر للتوجه إلى فلسطين ومحاصرة بيت المقدس لمدة أربعين يوما، فما كان من أهل بيت المقدس إلا أن اتفقوا مع الأفضل على منحهم الأمان، وهكذا استولى الأفضل على القدس بالأمان في شعبان سنة 489هـ/1096م وبقيت مدينة المقدس في أيدي الفاطميين حتى سقوطها بأيدي الصليبيين سنة 492هـ /1099م.
ونتيجة لانتصاراته بدأ أتسز الخوارزمي في التطلع نحو شمالي بلاد الشام ولكنه عاد وترك أمرها للسلطان ملكشاه، فتوجه نحو مصر محاولا ضمها إلى نفوذه لكن حملته سنة 469هـ/1076 أخفقت وتبعته القوات الفاطمية وهو ينسحب حتى الرملة بفلسطي، لكن أهل فلسطين لم يكونوا مرتاحين إليه بسبب تعسفه وهدره الأرواح إضافة إلى أن بلاد الام ساءت أحوالها الاقتصادية في عهده، مما دفع أهل القدس لانتهاز فرصة هزيمته أمام الفاطمين فثاروا عليه بزعامة القاضي، وحاول أتسز مفاوضتهم ثم قرر محاصرة المدينة واقتحامها فدخلها عنوة وقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص من أهلها.
وفي عام 471هـ /1078م قامت الخلافة الفاطمية بمصر بتوجيه حملة عسكرية بقيادة ناصر الدولة الجيوشي للهجوم على فلسطين، فاحتلت القدس ثم تقدمت نحو دمشق حيث كان أتسز الخوارزمي موجودا، فاتصل بتتش بن ألب أرسلان بحلب مستنجدا به لإنقاذه من الحصار الفاطمي، فتحرك تتش على الفور ودخل دمشق، ولكنه ما لبت أن تخلص من أتسز بقتله وانفرد بالحكم، لكن عهد تتش بن اسلان لم يكن ليختلف كثيرا عن عهد سلفه أتسز الخوارزمي إذ لم يأمل أهل فلسطين منه خيرا.
اقتطع تتش مدينة القدس وأعمالها إلى أحد قادته وهو أرتق بن أكسك التركماني، وحين توفي أرتق بك سنة 484هـ /1091م تولى الأمر من بعده ولديه أيلغازي وسقمان، ولما قتل تتش صاحب دمشق سنة 488هـ /1095م اقتسم ولداه رضوان ودقاق الحكم وصارت فلسطين تتبع الدقاق، لكن الخلاف نشب بين الأخوين مما دفع الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش بمصر للتوجه إلى فلسطين ومحاصرة بيت المقدس لمدة أربعين يوما، فما كان من أهل بيت المقدس إلا أن اتفقوا مع الأفضل على منحهم الأمان، وهكذا استولى الأفضل على القدس بالأمان في شعبان سنة 489هـ/1096م وبقيت مدينة المقدس في أيدي الفاطميين حتى سقوطها بأيدي الصليبيين سنة 492هـ /1099م.
نبذة تاريخية عن المماليك
موقف المماليك من القدس
القدس في عهد الظاهر بيبرس مؤسس سلطان المماليك
القدس في عهد عائلة الناصر قلاوون
الملك الأشرف برسياي والقدس
القدس في عهد المماليك الشراكسة
القدس في عهد الظاهر برقوق
الملك الأشرف قايتباي والقدس
نبذة تاريخية عن المماليك
المماليك هم طائفة من الأرقاء أو ممن كانوا يؤسرون في الحروب أو يستدعون للخدمة في الجيش وكانوا خليطًا من الأتراك والشراكسة وغيرهم من الأجناس.
يرجع ظهور المماليك في العالم الإسلامي إلى ما قبل قيام دولتهم بمصر بأمد طويل، وكان أول من استخدمهم الخليفة العباسى المأمون خلال فترة حكمه الممتدة بين السنوات 198هـ/ 813م – 218هـ/ 833م، إذ كان في بلاطه بعض المماليك المعتقين ثم الخليفة العباسي المعتصم بالله الذي استخدم فرقًا من الشباب االأتراك في جيشه لتدعيم سلطانه وذلك لقلة ثقته بالعرب ومن ثم أخذ بمبدأ استخدام المماليك ولاة مصر من الطولونيين والإخشيديين والفاطميين ثم الأيوبيين الذين أكثروا من شراء المماليك الترك وألفوا منهم فرقًا عسكرية خاصة.
ولعل اسمهم (المماليك) الذي ينبئ بالعبودية ويستخدم للتعريف بهم والإشارة إلى عهدهم لا يعطي صورة حقيقية لهم، ولا يدل على دورهم الكبير في القضاء على بقايا الفرنجة الصليبيين والوقوف في وجه التتار، ولا يُعرف بدورهم الحضاري الظاهر، حيث يعتبر قيام دولة سلاطين المماليك في منتصف القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي بداية مرحلة جديدة لها طابعها الخاص في تاريخ مصر والشام والذي يتصف بالأمن والاستقرار والثراء والازدهار، خصوصًا بعد سيطرة التتار الوثنيين على بغداد وسقوط الخلافة العباسية فيها، كما أخذت دولة المسلمين في الأندلس في ذلك الوقت بالانحسار سياسيًا وحضاريًا بعد أن اشتدت عليها وطأة الفرنجة.
أحس المماليك منذ البداية أنهم محرجون بسبب أصلهم غير الحر، فضلاً عن أنهم ظهروا على المسرح السياسي في صورة من استولوا على الحكم من سادتهم بني أيوب، لذلك سلك المماليك ثلاثة اتجاهات لمحو هذه الصورة عن الأذهان، والتي تركت كلها آثارًا إيجابية ومباشرة في الأوضاع العامة لمدينة القدس بشكل خاص، وهذه الاتجاهات هي:
1- اتخذ المماليك الجهاد أداة لإثبات جدارتهم بالحكم ولحماية المقدسات الإسلامية، مما أدى إلى ثبات الأمن والاستقرار في ظل حكمهم.
2- بإحياء المماليك للخلافة العباسية في القاهرة، أضفوا على الحكم صفة الشرعية، وذلك بوصفهم مفوضين بحكم المسلمين من قبل الخلافة العباسية وهي أعلى سلطة شرعية في البلاد.
3- استغل المماليك جزءًا كبيرًا من ثرواتهم الضخمة في العناية بالمنشآت الدينية في الأماكن المقدسة وخصوصًا في مدينة القدس، مما زاد من مكانة هذه المدينة المقدسة في عصرهم لدى المسلمين ويقسم العهد المملوكي إلى قسمين:
أولاً: عهد المماليك الأتراك أو المماليك البحرية:
وهم من جند الملك الصالح نجم الدين الأيوبي ويسمون المماليك البحرية لأن الصالح أسكنهم ثكنات في جزيرة الروضة في بحر النيل.
ثانيًا: عهد المماليك الشراكسة أو المماليك البرجية:
وهم من جند السلطان المنصور قلاوون المملوكي التركي، وكانوا يسكنون في أبراج القلعة في القاهرة فعرفوا بالبرجية.
موقف المماليك البحرية من القدس
على إثر تولي الملك عز الدين أيبك عرش مصر 648هـ/ 1250م – 656هـ/ 1258 انفصلت الشام عن مصر واستقل بحكمها الأمراء الأيوبيون، فراح الفريقان يقتتلان إلى أن تم الصلح بين الفريقين سنة 651هـ/ 1253م وبموجب هذا الصلح دخلت مدينة القدس تحت الحكم المملوكي لكن السلطان عز الدين أيبك قُتل بمكيدة دبرتها زوجته شجرة الدر، فخلفه ابنه الصغير نور الدين علي.
وفي عهد السلطان سيف الدين قطز 607هـ / 1259م – 658هـ / 1260م اجتاحت جحافل التتار بلاد الشام من شمالها إلى جنوبها وشاء الله أن ينقذ بيت المقدس من همجيتهم وكان واضحًا أن حملتهم الأولى على بلاد الشام عبرت في جوهرها عن هجمة صليبية شرسة خطط لها ملك أرمينية الصغرى هيثوم الأول مع هولاكو، وطلب الأخير من حليفه أن يلتقي به عند الرها ليرافقه إلى مدينة القدس ليخلص الأراضي المقدسة من قبضة المسلمين ويسلمها للمسيحيين.
بعد استيلاء التتار على دمشق وتدميرها سنة 658هـ/ 1260م قرروا التفرغ لمواجهة خطر المماليك في مصر، فأرسل هولاكو إلى السلطان قطز طالبًا منه التسليم، جمع قطز الأمراء واتفقوا جميعًا على محاربة التتار وإعلان التعبئة العامة.
سيّر قطز الجيوش المؤلفة من العرب والأتراك ونزل مدينة غزة، ثم سار بمحاذاة الساحل إلى أن التقى الجمعان عند عين جالوت في 25 رمضان سنة 658هـ/ 1260م وتولى السلطان قطز بنفسه قيادة الجيش ومعه الأمير ركن الدين بيبرس، وانتهت المعركة بنصر حاسم للمماليك على التتار الذين قتل قائدهم كتبغا وانهزم جيشهم شر هزيمة، فكانت تلك المعركة فاصلة في تاريخ الشرق مما أنقذ بيت المقدس والشام كلها من براثن التتار، كما ترتب على تلك المعركة امتداد سيطرة المماليك على بلاد الشام وانحسار النفوذ الأيوبي عنها، وهكذا عادت وحدة مصر والشام في ظل حكومة مركزية قوية مما أشاع قدرًا من الاستقرار لأول مرة في بلاد الشام بوجه عام، وفي بيت المقدس بوجه خاص.
|
Brak komentarzy:
Prześlij komentarz